وشبه الله المنافقين في ضلالهم وحيرتهم بعد أن عرفوا الإسلام بمن أوقد نارا ، فلما سطع ضوؤها ، وأبصر ما حوله انطفأت ، فأصبح في ظلام دامس. وهم في خوفهم مما يحيط بهم شبيهون بالذين أصابهم إعصار فيه نار وانقضت عليهم الصواعق وسط ظلام شديد ، فصاروا يجعلون أصابعهم في آذانهم ، ويحاولون أن يمشوا على ضوء البرق الذي يخطف الأبصار ، وأصبحوا كمن فقد سمعه وبصره :
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ. صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ أَوْ كَصَيِّبٍ (١٢٨) مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ. يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). (١٢٩)
وشبه الله ـ تعالى ـ مضاعفته ثواب الذين ينفقون أموالهم في سبيله بالحبة التي أنبتت سنابل كثيرة في كل منها حبات عديدة ، (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ). (١٣٠)
كما شبه ذلك بالجنة الطيبة الهواء التي تؤتي ثمارها مضاعفة حين ينزل عليها الماء. قال سبحانه وتعالى :
(وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌ (١٣١) وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). (١٣٢)
وكذلك كان الرسول صلىاللهعليهوسلم يعتمد على هذا الأسلوب في توضيح المعاني وتقريب الأفكار إلى عقول السامعين. ومن ذلك قوله :
«مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا ، فكان منها نقية (١٣٣) قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب (١٣٤) الكثير. وكان منها أجادب (١٣٥) أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا. وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان (١٣٦) لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين اله ، ونفعه الله به فعلم وعلم. ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به (١٣٧)».