وقد فشلت كل العقوبات الأخرى التي شرعها البشر في منع الزنى والقتل والسرقة وغير ذلك من المفاسد. وليس المجتمع المتحضر بالذي يسمح بالإجرام ويتساهل مع المجرمين وإنما هو الذي يربي أفراده على الأمانة والفضيلة ، ويمنع الشر والرذيلة.
ولهذا يكون من المجدي استعمال المثوبات والعقوبات في التربية بالوسائل المادية والمعنوية. فتشجيع المتعلم والثناء عليه ومكافأته إن أحسن يؤدي إلى تعزيز إجابته واستمرار تقدمه وزيادة فعالياته. وتأنيب المسيء وعقابه وحرمانه من بعض الأشياء يجعله يعلم أن الأمر جد لا هزل فيه. فيصبح أكثر يقظة وانتباها وأشد حذرا واهتماما ، فيجتنب الخطأ ويبتعد عن القبيح.
والمربي الحكيم هو الذي يضع كل شيء في موضعه ، ويعامل كل واحد بما يناسبه فلا يؤنب من تكفيه الإشارة ، ولا يضرب من تنفعه العبارة ، والترغيب والثواب مقدم على الترهيب والعقاب :
حكى الأحمر النحوي عن نفسه قال : (بعث إلى الرشيد لتأديب ولده محمد الأمين ، فلما دخلت قال : يا أحمر! إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه ، فصير يدك عليه مبسوطة وطاعتك عليه واجبة. فكن عليه بحيث وضعك أمير المؤمنين. أقرئه القرآن ، وعرفه الآثار ، وروه الأشعار ، وعلمه السنن ، وبصره مواقع الكلام وبدأه. وامنعه من الضحك إلا في أوقاته. لا تمرن بك ساعة إلا وأنت مغتنم فيها فائدة تفيده إياها من غير أن تخرق به فتميت ذهنه. ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه.
وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة ، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة) (٢٤١).
والطفل الرقيق المرهف الحس لا يحتاج إلى الضرب والعنف.
كان" سحنون" يقول لمعلم ابنه : «لا تؤد به إلا بالمدح ولطيف الكلام ، ليس هو ممن يؤدب بالضرب والتعنيف» (٢٤٢).
وذهب" محمد بن سحنون" إلى أن المعلم لا يجاوز بضرب الأولاد ثلاثة أو عشرة أسواط فقال : «ولا بأس أن يضربهم على منافعهم. ولا يجاوز بالأدب ثلاثا إلا أن يأذن الأب في أكثر من ذلك إذا آذى أحدا.
ويؤدبهم على اللعب والبطالة ، ولا يجاوز بالأدب عشرة. وأما على قراءة القرآن فلا يجاوز أدبه ثلاثا (٢٤٣) وقال في تعليل هذا المقدار : سمعت مالكا يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يضرب أحدكم أكثر من عشرة أسواط إلا في حد» (٢٤٤).