وقد حذر العلامة ابن خلدون من الإفراط في الشدة والعنف وبين سوء ذلك بقوله (إن إرهاف الحد في التعليم مضر بالمتعلم سيما في أصاغر الولد ، لأنه من سوء الملكة ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر ، وضيق على النفس في انبساطها ، وذهب بنشاطها ، ودعاه إلى الكسل ، وحمل على الكذب والخبث ، وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الأيدي بالقهر عليه ، وعلمه المكر والخديعة لذلك ، وصارت له هذه عادة وخلقا ، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن ، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله. وصار عيالا على غيره في ذلك ، بل وكسلت نفسه عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل ، فانقبضت عن غابتها ومدى إنسانيتها ، فانتكس وعاد في أسفل سافلين) (٢٤٥).
وقد اختلف موقف المربين من العقوبات على مدى العصور :
فكانت النظم في الهند قديما تبيح العقاب الجسدي. وكان المعلمون يستخدمون العصا وبعض الوسائل الأخرى ، كأن يصبوا الماء البارد على المتعلم (٢٤٦).
وكان نظام التربية لدى بني إسرائيل لينا بعض الشيء ، ومما يقوله التلمود : (عاقب الأطفال بإحدى يديك ، وداعبهم بكلتيهما) ومع ذلك فقد كانوا يبيحون العقاب الجسدي للأطفال الذين يجاوزون الحادية عشرة. وكان من الجائز أن يحرم من جاوز هذه السن من الخبز ، وأن يضرب بشسع النعل (٢٤٧).
وكان نظام التربية المسيحية الذي ساد أوربا في العصر الوسيط قاسيا ، إذ كانوا يسيئون الظن بالنفس الإنسانية ، ويحاولون أن يرهقوها وأن يعذبوها ليطهروها. ولقد حرم على الطلاب مثلا عام ١٣٦٣ م الجلوس على المقاعد والكراسي بحجة أنها تفسح المجال للكبرياء والغرور ، أما العقاب فكان سائدا وغليظا. وكان العقاب الجسدي خاصة كثير الاستعمال متنوع الأشكال ، وبقي استعمال الدرة حتى القرن الخامس عشر حيث اتخذت التربية اتجاها مختلفا على يد" جيرسون" (١٣٦٣ ـ ١٤٢٦ م) الذي طلب أن يجنح المعلمون إلى الصبر والشفقة (لأن الأطفال الصغار أسهل انقيادا بالمداعبة واللين منهم بالإرهاب والخوف) وحارب العقوبات الجسدية ، وطلب من الأساتذة أن يحملوا لطلابهم عطف الأب ورحمته.
وكذلك دعا المربي الهولندي" ايراسموس" (١٤٦٧ ـ ١٥٣٦) إلى استبعاد النظام القاسي والطرق الوحشية في التعليم ، وأن يستبدل بها طرق التشويق والإغراء (٢٤٨).
ومثله" مونيني" (١٥٣٣ ـ ١٥٩٢ م) صاحب النزعة الإنسانية الذي احتقر