النهضة الأوربية تدور حول أمور معنوية بحتة بينما تميل التربية الحديثة إلى نبذ المعنويات والاهتمام بالمحسوسات والماديات ، وأصحبت تهتم بالجسم والإعداد للحياة العملية ، وتعتني بالناحية الجمالية (١٦).
أما الإسلام فقد اهتم بتربية الإنسان في جميع جوانبه البدنية والعقلية والعاطفية والروحية بدون أن يطغى جانب على غيره ، أو يكون الاهتمام بناحية أكثر مما يناسبها ، وقد وازن بين جوانبه المختلفة توازنا دقيقا ، وأعطى كلا منها ما يستحقه من العناية والاهتمام.
كما وفق هذا المنهج بين الفرد والمجتمع حين عجزت المناهج البشرية عن التوفيق بينهما ، وجعلت الناس عبيدا بعضهم لبعض ؛ ما إن حررهم القائمون عليها من ربقة العبودية والإقطاع ، ومنحوهم حقوقا مطلقة ، وجعلوهم أحرارا في كل شيء ، وظنوا أنهم بذلك يحققون العدل والمساواة ، ويمنعون الظلم والاستغلال ؛ ما إن فعلوا ذلك حتى سيطر أصحاب المصانع والمصارف ، وتسلطوا على رقاب العمال والمحرومين. وما إن ثاروا على هذا الوضع الجائر ، وحدوا من حقوق الأفراد ، وزعموا أن الغالبية من الناس هم الذين يمثلون المجتمع ، ومصلحتهم هي التي يجب أن تراعى ؛ حتى سلب الفرد عزته وكرامته ، وشعر بالذل والهوان ، ورأى نفسه مرة أخرى خاضعا لفرد مستبد أو جماعة متعسفة.
والإسلام وحده هو الذي وفق بين الأفراد من جهة والمجتمع من جهة ثانية ؛ فالأفراد هم أعضاء المجتمع ، وعزتهم وقوتهم تؤدي إلى عزة الأمة ومنعتها. والمجتمع مكون من عدد من الأفراد ، وله شخصيته الاعتبارية وكيانه المستقل ، وإذا ما سمحنا له بالعدوان على حقوقهم ، فإنهم يهملون الدفاع عنه ، ويعرضونه للذل والانهيار ، كما إنا إذا سمحنا لفرد بتجاوز حده والحصول على أكثر من حقه ، نكون قد أخللنا بمبدأ التوازن ، وحرمنا الأخرين من حقوقهم. ولهذا أنصف هذا المنهج الفرد. ومنحه حقوقه كاملة ، وأشعره بعزته وكرامته ؛ ولكنه منعه من استغلال الضعفاء ، وحرم عليه الظلم والعدوان والتسلط على الآخرين ، وجعله مسؤولا عن نفسه وعن غيره ، وكلفه بأن يسهم في تحقيق التكافل الاجتماعي. أما إذا تعارضت مصلحة الفرد الخاصة مع مصلحة المجتمع العامة فإن الإسلام يرجح المصلحة العامة ، على أن يعوض على الفرد المتضرر التعويض العادل. وبذلك يتم التوفيق بين المصلحتين ، وتتم المحافظة على حقوق الأفراد والمجتمع.