والغرض من التكليف امتثال العبد ما كلّف به ، فلا يكون تكليف ما لا يطاق حسنا.
أقول : لمّا فرغ من تقرير باب العدل شرع في فروعه ، وقد ذكر فرعين :
الأوّل : التكليف وفيه مسائل (١) :
الأولى : التكليف لغة مأخوذ من الكلفة وهي المشقّة ، واصطلاحا عرّفه المصنّف بأنّه «أمر عبيده بما فيه مصلحتهم ، ونهيهم عمّا فيه مفسدتهم». وهو أجود ما عرّف به ، لاستعمال الجنس القريب فيه وهو الأمر والنهي (٢). وقوله : «بما فيه مصلحتهم». يشمل الواجب والندب لتعلّق الأمر بهما ؛ إذ الأمر عند الأكثر للقدر المشترك بينهما. وقوله : «ونهيهم عمّا فيه مفسدتهم». يشمل الحرام والمكروه ؛ فإنّ المكروه مشتمل على مفسدة ما وإن كانت ضعيفة لا تبلغ مرتبة القبيح. وإن شئت كان المكروه داخلا فيما فيه مصلحة باعتبار تركه ، ويكون النهي مختصّا بالقبيح. ولمّا كان المباح ليس من التكليف عند المحقّقين لم يتعرّض له بدخوله في التعريف ؛ لأنّه لو اشتمل على مصلحة أو مفسدة لكان إمّا راجح الفعل أو راجح الترك ، فلم يكن حينئذ مباحا متساوي الطرفين ، هذا خلف.
الثانية : التكليف موافق للحكمة غير مناف لها ، وإن كان مشتملا على مشقّة. وبيان ذلك يظهر من تقريرنا فيما سبق أنّه يفعل لغرض ومصلحة تعود إلى العبيد ، فإذا علم أنّ مصلحتهم إنّما تحصل بامتثال أوامره وأنّ مفسدتهم لا تنتفي إلّا بالانتهاء عن نواهيه ، وجب في حكمته أمرهم ونهيهم ليحصل الغرض من خلقهم. وذلك الغرض هو التعريض
__________________
١ ـ كذا في النسخ ولكنّه لم يذكر إلّا مسألتين.
٢ ـ التكليف : مصدر كلّف. وعند جمهور الاصوليّين : إلزام فعل فيه مشقّة وكلفة. وعلى هذا ، المندوب والمباح والمكروه ليس من الأحكام التكليفيّة ؛ إذ لا إلزام في كلّ منها. وعرّفه بعض بأنّه إيجاب اعتقاد كون الفعل حكما من الأحكام الشرعيّة. فعلى هذا ، المندوب والمكروه والمباح من الأحكام التكليفيّة. وعرّفه الشيخ الطوسيّ بأنّه إرادة المريد من غيره ما فيه كلفة ومشقّة. وعرّفه العلّامة في «كشف المراد» و «النهج» بأنّه إرادة من يجب طاعته ما فيه مشقّة ابتداء ، بشرط الإعلام. وتعريف المصنّف أجود التعريفات حيث إنّه بالحدّ التامّ المأخوذ فيه الجنس القريب في التعريف ، والأمر عند أكثر الاصوليّين يطلق على القدر المشترك بين الوجوب والندب ، وهو طلب إيجاد الفعل ، الناشئ عن مصلحة فيه. كما أنّ النهي طلب ترك الفعل ، الناشئ عن مفسدة فيه. والمباح هو الذي لا يشتمل على مصلحة ولا مفسدة ، فهو متساوي الطرفين في الفعل والترك ، فلا يطلق عليه التكليف. الاقتصاد للشيخ الطوسيّ : ٦١ ، كشف المراد : ٢٤٩ ، نهج المسترشدين : ٥٤. كشّاف اصطلاحات الفنون ٢ : ١٢٥٥ ، محيط المحيط : ٧٨٨.