لاستحقاق الثواب الدائم المشتمل على التعظيم والإجلال ، والخلاص من العقاب المشتمل على الاستخفاف والإهانة.
إن قلت : ذلك الغرض وتلك المصلحة الابتداء بهما من غير توسّط التكليف ممكن ، فلا فائدة في توسّطه.
قلت : نمنع إمكان الابتداء بذلك في الحكمة ؛ لأنّ التعظيم اللازم للثواب لغير مستحقّه قبيح ولو فرض جوازه لكان تفضّلا والاستحقاق له مزيّة. هذا مع أنّ التكليف يشتمل على مصالح اخر غير ذلك :
الأولى : رياضة النفس بامتثال الأوامر والنواهي ، فتمسك عن إرسال عنان القوّة الشهوانيّة والغضبيّة في ميدان مقتضياتهما ، فيسلم للقوّة العقليّة صفاؤها عن المنافيات والكدورات ، فيحصل على أخلاق حميدة.
الثانية : أنّ امتثال الأوامر والنواهي تبعث النفس وتعوّدها وتمرّنها على النظر في الامور الإلهيّة والمقاصد العالية ، والنظر في أحوال الذوات الشريفة ، والتفكّر في ملكوت السماوات والأرض ، وكمال مبدعها وموجدها ، وكيفيّة فيضان الموجودات عنه ، فتحصل النفس على مرتبة لا توصف وعلم لا ينزف.
الثالثة : أن امتثال الأوامر والنواهي ممّا يتمّ به نظام النوع الإنسانيّ ، المقتضي ذلك للعدل ، المقيم لحياة ذلك النوع. وستسمع لهذا فضل بيان قريبا إن شاء الله.
الرابعة : أنّ التكليف واجب في الحكمة ، وإلّا لزم الإغراء بالقبيح ، وهو قبيح. بيان الملازمة أنّ خلق العبد مجبولا على الميل إلى القبيح والنفور عن الحسن ـ مع عدم زاجر له ـ إغراء ظاهر بالقبح ، وقالت الأشاعرة بنفي ذلك ، بناء على أصلهم الفاسد ، وقد تقدّم بطلانه.
الخامسة : أنّه لمّا كان الغرض من التكليف امتثال العبد ما كلّف به ، وجب كون المكلّف به على حال يمكن معها الامتثال ، وإلّا لما تمّ الغرض ، فيكون التكليف حينئذ قبيحا. وتلك الحال أن يكون ممكن الوقوع عقلا ، فيدخل في ذلك أن يكون مقدورا مطاقا ، وإلّا لكان ممتنع الوقوع. وأن لا يشتمل على مفسدة ؛ لأنّ تلك المفسدة تقتضي