لاعتقادهم أنّ كلّ ذنب صدر عمدا فهو كفر ، وجوّزوا عليهم تعمّد الذنوب (١) ، (٢).
وقال أصحاب الحديث (٣) وجمهور الأشعريّة والحشويّة (٤) : يجوز عليهم ما عدا الكفر من المعاصيّ ، إلّا الكذب في أداء الرسالة (٥).
وقالت المعتزلة والزيديّة (٦) بجواز الصغائر عليهم ، ثمّ اختلفوا : فعند بعضهم يجوز
__________________
١ ـ «م» «ن» : الكذب.
٢ ـ أجمعت الأمّة على أنّ الأنبياء معصومون عن الكفر والبدعة إلّا الفضيليّة من الخوارج ، فإنّهم يجوّزون الكفر على الأنبياء عليهمالسلام. وذلك أنّ عندهم يجوز صدور الذنب عنهم ، وكلّ ذنب فهو كفر عندهم ، فبهذا الطريق جوّزوا صدور الكفر عنهم. مقالات الإسلاميّين ١ : ١٥٧ ـ ١٨٣ ، التبصير في الدين : ٤٦ ، الأربعين للرازيّ : ٣٢٩ ، كشف الفوائد في شرح القواعد : ٧٣ ، شرح المقاصد : ١٩٣.
٣ ـ إنّما سمّوا أصحاب الحديث ، لأنّ عنايتهم بتحصيل الأحاديث ، ونقل الأخبار ، وبناء الأحكام على النصوص ، ولا يرجعون إلى القياس الجليّ والخفيّ ما وجدوا خبرا أو أثرا. وهم أصحاب مالك بن أنس ومحمّد بن إدريس الشافعيّ ، وأصحاب سفيان الثوريّ ، وأصحاب داود بن عليّ بن محمّد الأصفهاني الظاهريّ. الملل والنحل ١ : ١٨٧.
٤ ـ الحشو في اللغة : ما يملأ به الوسادة. وفي الاصطلاح : عبارة عن الزائد الذي لا طائل تحته. وسمّيت الحشويّة حشويّة ، لأنّهم يحشون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المرويّة عن رسول الله ، أي يدخلونها فيها وليست منها.
وجميع الحشويّة يقولون بالجبر والتشبيه ، وأنّ الله تعالى موصوف عندهم بالنفس واليد والسمع والبصر. وهذا اللقب لقب تحقير اطلق عليهم ، وهم فرقه من أصحاب الحديث. التعريفات ، للجرجانيّ : ٣٩ ، دائرة المعارف الإسلاميّة ٧ : ٤٣٩.
٥ ـ إنّ أصحاب الحديث والحشويّة يتّفقون في كثير من المسائل ، ولذلك أردفهم العلماء في كتبهم الكلاميّة. فقال السيّد المرتضى في الذخيرة : أجاز الحشويّة وأصحاب الحديث على الأنبياء الكبائر سوى الكذب في حال النبوّة ، وجوّزوا الجميع قبل النبوّة. وقال القاضي عبد الجبّار في شرح الأصول الخمسة : الحشويّة جوّزوا صدور الكبيرة على الأنبياء قبل البعثة وبعدها ، ويتمسّكون بأباطيل لا أصل لها. وقال المصنّف في اللوامع : جوّز الحشويّة وأصحاب الحديث عليهم الإقدام على الكبيرة والصغيرة ولو عمدا ، قبل النبوّة وفي ما بعدها. الذخيرة في علم الكلام : ٣٣٨ ، شرح الأصول الخمسة : ٥٧٣ ، اللوامع الإلهيّة : ١٧٠.
واعلم أنّ الاختلاف بين الإماميّة والأشاعرة ، في أنّ الإماميّة قائلون بعصمة الأنبياء من جميع المعاصي كبيرها وصغيرها ، عمدا وسهوا وخطأ وتأويلا ، قبل النبوّة وبعدها ، من أوّل العمر إلى آخره. والأشاعرة قائلون بأنّهم معصومون في زمان النبوّة عن الكبائر والصغائر ، وأمّا قبل النبوّة فلا يلزم أن يكون معصوما.
وصرّح التفتازاني والقوشجيّ بلزوم عصمتهم عمّا ينافي مقتضي المعجزة كالكذب في التبليغ. ثمّ قال : والمذهب عندنا منع الكبائر بعد البعثة مطلقا.
وقال المصنّف في اللوامع : أمّا الأشاعرة فمنعوا الكبائر مطلقا حال النبوّة ، وأمّا قبلها فجوّزوا جميع المعاصي عمدا وسهوا إلّا الكفر. الأربعين للرازيّ : ٣٣١ ، شرح المقاصد : ١٩٣ ، شرح تجريد العقائد للقوشجيّ : ٣٥٩ ، اللوامع الإلهيّة : ١٧١.
٦ ـ الزيديّة ، هم المنسوبون إلى زيد ، بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهمالسلام. وهم ثلاث ـ