على سبيل السهو لا العمد ، لكن لعلوّ درجتهم لا يؤاخذون بها. وعند بعضهم : يجوز على سبيل القصد ، لكنّها تقع محبطة بكثرة ثوابهم. وعند بعضهم أنّه يجوز على سبيل التأويل كما تأوّل آدم عليهالسلام حمل النهي عن النوع بإرادة الشخص ، فجوّز غيره من الأشخاص (١). واتفق هؤلاء كلّهم على اختصاص المنع بزمان النبوّة لا قبلها.
وقال أصحابنا الإماميّة : إنّهم معصومون من أوّل العمر إلى آخره من الذنوب كلّها ، صغائر وكبائر ، عمدا وسهوا ، وهو الحقّ. وكلام المصنّف رحمهالله ينحلّ إلى مسألتين :
الأولى : في معنى العصمة ، هو أنّها لطف يمتنع معه وقوع القبائح والإخلال بالواجبات لا على جهة الجبر بل مع بقاء الاختيار (٢). فاللطف جنس ، وقولنا : يمتنع ... إلى آخره ، فصل يخرج به باقي الألطاف ، فإنّه مع تقريبها يجوز معها المخالفة بخلاف العصمة. وقولنا : لا على جهة الجبر ... إلى آخره ، ليس من تمام الحدّ ، بل هو ردّ على كلّ من حكم بأنّ المعصوم لا يقدر على المعصية ، وهو قول أبي الحسن الأشعريّ (٣).
__________________
فرق : الجاروديّة ، والسّليمانيّة ، والبتريّة. وأكثرهم يرجعون في الأصول إلى الاعتزال وفي الفروع إلى مذهب أبي حنيفة ، إلّا في مسائل قليلة. المقالات والفرق : ١٤٩ ، الفرق بين الفرق : ١٦ ، شرح المواقف : ٦٢٨.
١ ـ إنّ آدم عليهالسلام أوّل النهي عن الشجرة بالنهي عن الشخص ، وكان المراد النوع ؛ فإنّ الإشارة قد تكون إلى النوع كقوله : «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلّا به». حيث إنّ المراد منه نوع الوضوء. نهج المسترشدين : ٣٠٤.
٢ ـ واعلم أنّ الإماميّة قائلون بالعصمة بالمعنى الذي ذكره المصنّف ، وإليك نصّ عباراتهم :
قال أبو إسحاق بن إبراهيم بن نوبخت في كتابه «الياقوت» : العصمة لطف يمنع من اختصّ به من الخطاء ولا يمنعه على وجه القهر ، وإلّا لم يكن المأثوم مثابا. أنوار الملكوت في شرح الياقوت : ١٩٥. وقال الشيخ المفيد : العصمة من الله لحججه هي التوفيق واللطف ، والاعتصام من الحجج بهما عن الذنوب والغلط في دين الله تعالى. والعصمة تفضّل من الله تعالى على من علم أنّه يتمسّك بعصمته. وليست العصمة مانعة من القدرة على القبيح ، ولا مضطرّة للمعصوم إلى الحسن ، ولا ملجئة له إليه. أوائل المقالات : ٢١٤.
وقال المحقّق الطوسيّ : العصمة هي كون المكلّف بحيث لا يمكن أن يصدر عنه المعاصي ، من غير إجبار له على ذلك. قواعد العقائد : ٣١. وقال العلّامة الحلّي : هي عبارة عن لطف يفعله الله تعالى بالمكلّف ، لا يكون له معه داع إلى المعصية ، وإلى ترك الطاعة ، مع قدرته عليهما. أنوار الملكوت في شرح الياقوت : ١٩٦ ، كشف الفوائد في شرح القواعد : ٧٣.
٣ ـ فسّر أبو الحسن الأشعريّ العصمة بالقدرة على الطاعة وبعدم القدرة على المعصية. فالمعصوم عنده من يكون قادرا على الطاعة لا غير ، أو غير قادر على المعصية. وقد صرّح التفتازانيّ بأنّ العصمة عندنا عبارة عن أن لا يخلق الله الذنب في العبد. تلخيص المحصّل : ٣٦٨ ، أنوار الملكوت في شرح الياقوت : ١٩٦ ، شرح العقائد النسفيّة : ١٨٤ ـ ١٨٥.