الزائد يحبط الناقص ويبقى هو بكماله ، وهو الإحباط.
ومذهب ابنه أبي هاشم أنّه لا يبقى من الزائد بعد التأثير إلّا الفاضل عن قدر الناقص ، والباقي يسقط بالناقص ، وهو الموازنة. ويكون الحكم للفاضل استحقاق ثواب كان أو استحقاق عقاب.
أقول : الوعيديّة هم الذين لا يجوّزون العفو عن الكبيرة ، ويقولون بدوام عقابها إن كانت هي الفاضلة بعد الإسقاط. واختلفوا على قولين :
أحدهما : قول أبي عليّ ، وهو أنّ الاستحقاق الزائد يسقط الناقص ويبقى هو ، كما لو كان أحد الاستحقاقين عشرة أجزاء والآخر خمسة ، فإنّ الخمسة تسقط وتبقى العشرة أيّ شيء كانت.
وثانيهما : قول أبي هاشم ، وهو أنّه لا يبقى من الزائد بعد التأثير إلّا الفاضل عن قدر الناقص ، والباقي من الزائد يسقط في مقابلة الناقص كما في مثالنا المذكور ؛ فإنّها تسقط خمسة في مقابلة خمسة ، فتبقى خمسة أيّ شيء كانت طاعة أو معصية. ويسمّى الأوّل القول بالإحباط ، والثاني القول بالموازنة (١).
قال : والمذهبان باطلان ؛ لابتنائهما على تأثير الاستحقاق وتأثّره ، وذلك غير معقول ؛ لأنّ الاستحقاق أمر إضافيّ ، والإضافات لا توجد في الخارج ، وإلّا لزم التسلسل ، وما لا يوجد لا يعقل تأثيره وتأثّره. وإن قلنا بوجوده ، قلنا : إمّا أن يوجد الاستحقاقان معا أولا ، فالأوّل يقتضي أن لا يكونا ضدّين ، وذلك ينافي مذهبهم.
وأيضا لا يكون أحدهما أولى بالتأثير في الإحباط من الآخر ، وإذا أحبط أحدهما بالآخر في الموازنة فكيف يحبط الآخر به؟ إذ تأثير المعدوم في الموجود غير معقول.
والثاني لا يعقل تأثير أحدهما في الآخر. ولا يرد علينا الأضداد ؛ فإنّا لم نحكم بتأثّر
__________________
١ ـ قالت الوعيديّة من المعتزلة وغيرهم : إنّ صاحب الكبيرة إن لم يتب كان مخلّدا في النار. ثمّ اختلفوا ، فقال أبو عليّ الجبائيّ بالإحباط ، وهو أنّه إذا أقدم على كبيرة أحبطت الكبيرة جميع أعماله الصالحة المتقدّمة ، ويكون معاقبا على ذلك الذنب أبدا. وقال ابنه أبو هاشم بالموازنة ، وهو أن تتوازن أعماله الصالحة وذنوبه الكبائر ، ويكون الحكم للأغلب.
الذخيرة في علم الكلام : ٣٠٦ ، قواعد العقائد للمحقّق الطوسيّ : ٥٠ ، كشف الفوائد : ٩٥ ، كشف المراد : ٣٢٧ ، إرشاد الطالبين : ٤٢١.