قال : والعقل فيه كثرة ، هي : الوجوب والإمكان ، وتعقّل الواجب وتعقّل ذاته ؛ ولذلك صدر عنه عقل آخر ، ونفس ، وفلك مركّب من الهيولى والصورة. ويلزمهم أنّ أيّ موجودين فرضا (١) في العالم كان أحدهما علّة للآخر بواسطة أو بغيرها. وأيضا : (٢) التكثّرات التي في العقل الأوّل إن كانت موجودة صادرة عن البارئ تعالى ، لزم صدورها عن الواحد ، وإن صدرت عن غيره لزم تعدّد الواجب ، وإن لم تكن موجودة لم يكن تأثيرها في الموجودات معقولا.
أقول : هذا تتمّة كلامه فيما نقل عن الحكماء وما يلزمهم من المحال.
وبيانه : أنّهم إنّما قالوا : «الواحد لا يصدر عنه إلّا الواحد» على تقدير الوحدة المحضة ، ولم يمكن فرض كثرة في الفاعل. وأمّا إذا أمكن فرض كثرة فإنّه يجوز صدور الامور المتكثّرة حينئذ منه كما في العقل الأوّل ؛ فإنّه واحد في ذاته لكن عرض له امور بالنسبة إلى اعتبار ماهيّته عند وجوده ، فله ماهيّة ووجود صادر عن المبدأ. فمن حيث نسبة وجوده إلى ذاته يعرض له الإمكان. ومن حيث نسبته إلى مبدئه يعرض له الوجوب الغيريّ ، وهو أيضا يعقل المبدأ ويعقل ذاته لتجرّده ، فله ستّة أشياء : ماهيّة ، وإمكان ، ووجود ، ووجوب ، وتعقّل لذاته ، وتعقّل لمبدئه. ثلاثة بالنسبة إلى ذاته هي : الهويّة والإمكان والتعقّل لذاته. وثلاثة بالنسبة إلى المبدأ وهي : الوجود والوجوب وتعقّل المبدأ. فلمّا تكثّرت اعتباراته تكثّرت الموجودات ؛ فباعتبار وجوده يصير مبدأ لعقل آخر ، وباعتبار تعقّله للمبدإ ووجوبه يصير علّة لنفس ، ومن حيث إنّ له هويّة وإمكانا وتعقّلا لذاته يصير مبدأ لفلك. ويصدر من العقل الثاني على هذا الوجه عقل ثالث وفلك آخر ونفس له. وهكذا إلى العقل العاشر المسمّى ب «العقل الفعّال» ، وهو المؤثّر في عالم الكون والفساد ، وصورة الجسميّة والنوعيّة ، ثمّ المركّبات المعدنيّة والنباتيّة والحيوانيّة.
قال المصنّف رحمهالله : «ويلزمهم أنّ أيّ موجودين فرضا في العالم أن يكون أحدهما علّة للآخر بواسطة أو بغيرها» ؛ وذلك لأنّه لا يجوز صدورهما معا عن علّة
__________________
١ ـ الفصول النصيريّة : فرضنا.
٢ ـ الفصول النصيريّة بزيادة : إنّ.