الأوّل : أنّ الجزئيّات الزمانيّة لا تنتهي في سلسلة الحاجة إلى الواجب ؛ لأنّها إذا لم تكن معلولة له لم يلزم من علمه بذاته العلم بها ، لكن هذا باطل لما قرّروه واعتقدوه.
الثاني : أن يثبتوا انتهاءها في سلسلة الحاجة إليه ، لكن لا يقولون بأنّ العلم التامّ بالعلّة موجب للعلم بالمعلول ؛ لأنّه وإن كانت معلولة له (١) ، لكنّ العلم بالعلّة لا يوجب العلم بالمعلول ، لكنّه باطل لما قلناه.
الثالث : أن يعترفوا بالعجز عن إثبات كونه عالما بذاته وبغيره ، فإنّه لا يلزم حينئذ من انتهائها إليه وأنّ العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول كونه عالما بها ؛ لأنّه غير عالم بذاته التي هي العلّة ، لكنّه باطل لما سلّموه.
الرابع : أن لا يجعلوا العلم حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم ، فإنّهم إذا لم يقولوا بذلك لا يلزم حلول الصور في ذاته تعالى ، فلم تتمّ شبهتهم فلم يلزمهم التناقض ، لكنّهم يثبتوا ذلك ، واستدلّوا عليه : بأنّا ندرك أشياء لا تحقّق لها في الخارج ، فلو لم تكن منطبعة في النفس كانت عدما محضا ونفيا صرفا ، فتستحيل الإضافة إليها.
الخامس : أن يجوّزوا كونه محلّا للحوادث ؛ فإنّه مع تجويز ذلك لا يلزم من علمه تعالى بالجزئيّات المتغيّرة محال ، فيكون عالما بها ، فيكون موافقا للمقدّمات المتقدّمة ، المستلزمة لكونه عالما بالجزئيّات ، فلا يكون بين كلامهم تناقض ؛ لأنّ التناقض اختلاف القضيّتين لا توافق القضيّتين ، لكن بيّنوا محاليّة كونه تعالى محلّا للحوادث ، لما يلزم من حدوثه ، فيلزمهم استحالة علمه بالجزئيّات المستلزم للتناقض في كلامهم.
وأمّا الثاني فأجاب المتكلّمون عنها بوجوه :
الأوّل : جواب أبي هاشم (٢) : وهو أنّ علمه الأوّل بأنّ زيدا في الدار لم يزل ولم يتجدّد له علم آخر ، ويلتزم بأنّ العلم بأنّ الشيء سيوجد هو العلم بوجوده إذا وجد.
__________________
١ ـ «ح» : وإن كان عالما بها.
٢ ـ عبد السلام بن محمّد بن عبد الوهّاب الجبائيّ ، ابن أبي علي الجبائيّ. المتكلّم ، شيخ المعتزلة ومصنّف الكتب على مذاهبهم. له آراء انفرد بها ، وتبعته فرقة سمّيت «البهشميّة». له مصنّفات منها : العدّة في اصول الفقه. مات سنة : ٣٢١ ه. تاريخ بغداد ١١ : ٥٥ ، الأعلام للزركلي ٤ : ٧.