للعلم بالمعلول ، أو اعترفوا (١) بالعجز عن إثبات عالميّته تعالى ، أو لم يجعلوا العلم حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم ، أو جوّزوا (٢) كونه تعالى محلّا للحوادث.
والجواب عن الشبهة : أنّ ما ذكروه إنّما يلزم على تقدير كون علمه تعالى زائدا على ذاته ، وأمّا إذا كان عين ذاته ، ويتغاير بتغاير (٣) الاعتبار فلا يلزم تغيّر علمه تعالى ؛ لأنّا نعلم ضرورة أنّ من علم متغيّرا لم يلزم من تغيّره تغيّر ذاته.
أقول : لمّا فرغ من تقرير شبهتهم شرع في إلزامهم التناقض أوّلا ، ثمّ الجواب عن شبهتهم ثانيا.
أمّا الأوّل فنقول : لا شكّ أنّهم قرّروا مقدّمات يلزم من اعتقادها كونه عالما بالجزئيّات ، وأوردوا شبهة تستلزم كونه غير عالم بالجزئيّات ، فيكون عالما بها غير عالم بها وهو التناقض الصريح. أمّا المقدمات فأمور :
الأوّل : أنّ العلم التامّ بالعلّة يوجب العلم بالمعلول ، واستدلّوا على ذلك بأنّ العلم التامّ بالعلّة هو أن يعلم الماهيّة بذاتها ولوازمها ومعروضاتها وما لها من ذاتها وما لها بالقياس إلى الغير ، ولا شكّ أنّ ذلك العلم بالعلّة يستلزم العلم بمعلولها ، وهو ظاهر.
الثاني : أنّ ذاته تعالى علّة لجميع الممكنات التي من جملتها الجزئيّ الزمانيّ ولو بوسائط ، ودليله تقدّم.
الثالث : أنّه تعالى يعلم ذاته ، ودليله أنّ ذاته مفهوم يصحّ أن يكون معلوما له تعالى ، وكلّ ما صحّ أن يكون معلوما له تعالى وجب كونه معلوما له تعالى ؛ لأنّ صفاته ذاتيّة كلّما صحّت وجبت وإلّا لم تكن ذاتيّة ، هذا خلف. فلزم من هذه المقدّمات لزوما بيّنا كونه عالما بالجزئيّات وهو المطلوب.
وحيث اعتقدوا صحّة شبهتهم لزم كونه غير عالم بها ، وهو تناقض جامع لشرائطه. ولا خلاص لهم حينئذ عن هذا التناقض إلّا بالالتزام بأحد امور خمسة :
__________________
١ ـ الفصول النصيريّة : يعترفوا.
٢ ـ الفصول النصيريّة : يجوّزوا.
٣ ـ الفصول النصيريّة : ويتغيّر بحسب تغاير.