وفيه : أولا : إنه إنما مدحه بأنه أذن ، وهو سريع القطع ، لا الاخذ بقول الغير تعبدا.
وثانيا : إنه إنما المراد بتصديقه للمؤمنين ، هو ترتيب خصوص الآثار التي تنفعهم ولا تضر غيرهم ، لا التصديق بترتيب جميع الآثار ، كما هو المطلوب في باب حجية الخبر ، ويظهر ذلك من تصديقه للنمام بأنه ما نمّه ، وتصديقه لله تعالى بأنه نمّه ، كما هو المراد من التصديق في قوله عليهالسلام : (فصدقه وكذبهم) ، حيث قال
______________________________________________________
خبرهم ، بل الإصغاء والسكوت. وقول ما يتخيّل المخبر تصديق خبره ، ولكن لا يخفى أن الإيمان يتعدى بكل من الباء واللام ويراد منه التصديق والاعتقاد واقعا كقوله سبحانه : (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ)(١) و (قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا)(٢) و (قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً)(٣) إلى غير ذلك ، وقوله سبحانه (فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِ)(٤) وقد يفرق بين الباء واللام بأن المراد في موارد التعدي باللام الإيمان والاعتقاد بالشخص في قوله ، وفي موارد التعدي بالباء الاعتقاد بحصول نفس الشيء وحيث إن تصديق الله سبحانه في وعده وقوله من جهات الاعتقاد بنفسه فإن ذاته سبحانه عين كماله والإيمان به لا ينفك عن التصديق بكلامه وخبره اختلفت التعدية في إضافة الإيمان إليه سبحانه عن إضافته إلى المؤمنين.
أقول : لا يمكن أن يكون المراد من الاذن في الآية سريع القطع والاعتقاد ، فإن كون إنسان سريع الاعتقاد والقطع نقص له ولا يكون موجبا للمدح بل يكون قادحا
__________________
(١) سورة يونس : الآية ٨٣.
(٢) سورة ابراهيم : الآية ١٠.
(٣) سورة الإسراء : الآية ٩٠.
(٤) سورة الاعراف : الآية : ١٥٨.