وفيه : مضافا إلى ما عرفت مما يرد على الوجه الأول ، أنه لو سلم اتفاقهم على ذلك ، لم يحرز أنهم اتفقوا بما هم مسلمون ومتديّنون بهذا الدين ، أو بما هم عقلاء ولو لم يلتزموا بدين ، كما هو لا يزالون يعملون بها في غير الأمور الدينية من الأمور العادية ، فيرجع إلى ثالث الوجوه ، وهو دعوى استقرار سيرة العقلاء من ذوي الأديان وغيرهم على العمل بخبر الثقة ، واستمرت إلى زماننا ، ولم يردع عنه نبي ولا وصي نبي ، ضرورة أنه لو كان لاشتهر وبان ، ومن الواضح أنه يكشف عن رضى
______________________________________________________
فيرجع هذا الوجه إلى الثالث من تقرير الإجماع حيث إنهم يعملون في امورهم بأخبار الثقات فيما بينهم ولا يفرقون بينها وبين امورهم الدينية من الأخبار بالفتاوى ونحوها ولم يردعهم الشارع عن سيرتهم في الامور الدينية وهذا كاشف قطعي عن إمضاء الشارع ورضاه بها.
لا يقال : لم يثبت الردع عن السيرة المشار إليها في الشرعيات فإنّ الآيات الواردة في النهي عن السكون بغير العلم والنهي عن اتباع الظن والتعليل بأنّه لا يغني من الحق كافية في الردع ، وأجاب الماتن قدسسره عن ذلك بأنّ منصرف تلك الآيات وظهورها الإرشاد إلى عدم كفاية غير العلم في اصول الدين ومع الإغماض عن ذلك ، المراد منها لانصراف إطلاقاتها أو كون القدر المتيقن منها توجّه النهي إلى ظن لم يقم على اعتباره دليل ، وعليه يكون ردع السيرة بها دوريا ؛ لأنّ الردع بها يتوقف على عدم كون السيرة مخصصة لعموماتها أو مقيدة لإطلاقاتها وعدم كونها مخصصة أو مقيدة موقوف على الردع عن السيرة بها.
لا يقال : على ذلك لا يمكن إثبات الخبر الواحد بالسيرة أيضا حيث يتوقف اعتباره على عدم كونها مردوعة بالآيات وعدم كونها مردوعة يتوقف على كونها مخصّصة أو مقيدة للعمومات وكونها مخصصة أو مقيدة موقوف على عدم الردع بها