وأما بناء على التخيير ـ كما هو المشهور ـ فلا مجال لأصالة البراءة وغيرها ، لمكان وجود الحجة المعتبرة ، وهو أحد النصين فيها ، كما لا يخفى ، وقد استدلّ على ذلك بالأدلة الأربعة :
أما الكتاب : فبآيات أظهرها قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [١].
______________________________________________________
[١] قد ذكر الماتن قدسسره أنه يستدل على البراءة في المشتبهات بالشبهة الحكمية البدوية بآيات أظهرها بحسب مقام الاستدلال قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١) حيث قال الشيخ قدسسره : إن الآية إخبار بعدم وقوع العذاب في الامم السابقة قبل وصول التكليف ، وبيان التكاليف عليهم ببعث الرسل ، وبما أن الأخباري القائل بالتوقف ووجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية يلتزم بالملازمة بين عدم وقوع العذاب وعدم استحقاقه ، فيكون المستفاد من الآية عدم استحقاق العقاب على مخالفة التكليف قبل بيانه ووصوله إلى العباد ، وأورد عليه الماتن بوجهين.
الأول : أنّه على فرض تسليم الأخباري بالملازمة بين عدم فعلية العقاب وعدم استحقاقه يكون الاستدلال على البراءة جدليا يقصد به إسكات الخصم ولا يثبت به جواز الارتكاب ، الثاني : أن الأخباري لا يلتزم بالملازمة ليكون الإخبار بعدم وقوع العذاب كاشفا عنده عن عدم استحقاقه ، كيف فإنّ الشبهات عنده لا تزيد على المحرمات والواجبات ، والأخباري لا ينكر عفوه سبحانه وعدم مؤاخذة العبد بالعذاب على ارتكابه الحرام أو ترك الواجب فعدم الوقوع فيهما لا يقتضي نفي الاستحقاق فكيف بالمشتبهات.
وأورد الشيخ قدسسره على الاستدلال على البراءة بالآية بوجه آخر ، وهو أنّ الإخبار
__________________
(١) سورة الإسراء : الآية ١٥.