إن قلت : نعم ، ولكن العقل يستقل بقبح الإقدام على ما لا تؤمن مفسدته ، وأنه كالإقدام على ما علم مفسدته ، كما استدل به شيخ الطائفة قدسسره ، على أن الأشياء على الحظر أو الوقف.
قلت : استقلاله بذلك ممنوع ، والسند شهادة الوجدان ومراجعة ديدن العقلاء من أهل الملل والأديان ، حيث إنهم لا يحترزون مما لا تؤمن مفسدته ، ولا يعاملون معه معاملة ما علم مفسدته ، كيف؟ وقد أذن الشارع بالإقدام عليه ، ولا يكاد يأذن بارتكاب القبيح ، فتأمل.
______________________________________________________
ومما يورد على الوجه الثاني ، أنه لا يجري الاستصحاب في عدم المنع السابق لكون الموضوع له الصبي والمجنون ، حيث إنّ الشارع قد رفع القلم عن الصبي والمجنون ولو جرى عدم المنع بعد كون المكلف بالغا لكان من إسراء الحكم من موضوع إلى آخر.
وبتعبير آخر عنوان الصبي بالإضافة إلى عدم الحرمة الفعلية عنوان مقوّم أو لا أقل من احتمال كونه من العنوان المقوّم ، وفيه أن معنى رفع القلم عن الصبي عدم جعل الإلزام لأفعاله التي تكون موردا للإلزام في البالغين ، وأما أفعاله التي لا تكون موردا للإلزام في البالغين فلا موضوع للرفع بالإضافة إليها ، وعليه فالصبي حال صباوته لم تكن في حقه حرمة شرب التتن ، ويحتمل بقاء عدم الحرمة بحاله ، ولا يعتبر في جريان الاستصحاب إلّا اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوكة ، بأن يحتمل بقاء القضية المتيقنة بعينها ، نظير ما إذا علم عدم نجاسة مائع كر سواء كان ماء أو غيره من المضاف ، فإذا لاقته النجاسة فإن كان ماء فعدم نجاسته باقية على حالها ، وإذا لم يكن ماء فقد انفعل فلا بأس بالاستصحاب في عدم نجاسته إذا لم يكن في البين أصل حاكم عليه فتدبر جيدا.