بل إنهم يروون اشتغال الثلاثة بالقضاء أيّام خلافتهم ... قال السيوطي : « وأخرج أبو القاسم البغوي عن ميمون بن مهران قال : كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به ، وإن لم يكن في الكتاب وعلم من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك الأمر سنّة قضى به ، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال : أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع عليه النفر كلّهم يذكر من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيه قضاء ، فيقول أبو بكر : الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا ، فإن أعياه أن يجد فيه سنّة من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جمع رؤس الناس وخيارهم فاستشارهم ، فإن أجمع أمرهم على رأي قضى به. وكان عمر رضياللهعنه يفعل ذلك فإن أعياه أن يجد في القرآن والسنّة نظر هل كان لأبي بكر فيه قضاء ، فإن وجد أبا بكر قد قضى فيه بقضاء قضى به وإلاّ دعا رؤس المسلمين فإذا اجتمعوا على أمر قضى به » (١). وقد رواه المتقي في ( كنز العمال ) والمحبّ الطبري ـ قبل السيوطي ـ في ( الرياض النضرة ).
ولكن أين آثار أعلميّتهم؟ بل إنّ أكثر تلك الأخبار يشتمل على شواهد بيّنة على جهلهم وبلادتهم ... وسنذكر بعضهم فيما بعد إن شاء تعالى فانتظر.
وأمّا خامسا : فرضنا أنّ تقيّدهم بأمر الخلافة منعهم عن الإفادة ونشر العلوم والآثار الدالّة على أعلمّيتهم ، لكنّ التقيّد بأمر الخلافة لا يوجب ظهور آثار الجهل والضلال منهم ، فإذا كان من المعقول اختفاء أعلميّة شخص أو علم عالم بوجه من الوجوه ، فإن شيئا لا يكون سببا في ظهور جهله ، بل لا يعقل ذلك مع فرض عالميّته فضلا عن كونه الأعلم ، لأن العلم والجهل ضدّان ، مع أنّ آثار الجهل المنقولة عنهم كثيرة جدّا بحيث لا تقبل الستر والكتمان.
__________________
(١) تاريخ الخلفاء : ٤٢.