مخالطة سلاطين الجور ... قال أبو حامد الغزّالي : « ولما خالط الزهري السلطان كتب أخ له في الدين إليه : عافانا الله وإيّاك أبا بكر من الفتن ، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك الله ويرحمك ، أصبحت شيخا كبيرا قد أثقلتك نعم الله لما فهّمك من كتابه وعلّمك من سنّة نبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم ، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء. قال الله تعالى : ( لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ ) واعلم أن أيسر ما ارتكبت وأخف ما احتملت أنك آنست وحشة الظالم وسهّلت سبيل البغي ، بدنوّك ممن لم يؤدّ حقا ولم يترك باطلا حين أدناك ، اتّخذوك قطبا تدور عليك رحى ظلمهم ، وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم ، وسلّما يصعدون فيه إلى ضلالتهم ، يدخلون بك الشك على العلماء ويقتادون بك قلوب الجهلاء ، فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خرّبوا عليك ، وما أكثر ما أخذوا منك فيما أفسدوا عليك من دينك ، فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله تعالى فيهم ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ ) الآية. وإنك تعامل من لا يجهل ويحفظ عليك من لا يغفل فداو دينك فقد دخله سقم ، وهيّئ زادك فقد حضر سفر بعيد ، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء. والسلام » (١).
وأورده جار الله الزمخشري في تفسير قوله تعالى : ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (٢) ...
وقال الطيبي بشرح الحديث : « إذا مدح الفاسق غضب الرب تعالى واهتزّ له العرش » ما نصّه : « قوله : اهتز له العرش. اهتزاز العرش عبارة عن وقوع أمر عظيم وداهية دهياء ، لأن فيه رضى بما فيه سخط الله وغضبه ، بل يقرب أن يكون كفرا ، لأنه يكاد يفضي إلى استحلال ما حرّمه الله تعالى. وهذا هو الداء العضال لأكثر العلماء والشعراء والقرّاء والمرائين في زماننا هذا. وإذا كان هذا حكم من مدح
__________________
(١) احياء علوم الدين ـ كتاب الحلال والحرام ٢ / ١٤٣.
(٢) تفسير الكشاف ٢ / ٤٣٣.