لم يكن في البخاري لأسقطوه رأسا ـ لكنّ كلماتهم متهافتة وأقوالهم متناقضة ، « ولن يصلح العطّار ما أفسده الدهر » :
قال ابن حجر : « وقد استشكل هذا الحديث بأنه يلزم منه أن عمر أفضل من أبي بكر الصدّيق ، والجواب عنه : تخصيص أبي بكر من عموم قوله : عرض عليّ الناس. فلعلّ الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر ، وإن كون عمر عليه قميص يجرّه لا يستلزم أن لا يكون على أبي بكر قميص أطول منه وأسبغ ، فلعلّه كان كذلك ، إلاّ أن المراد كان حينئذ بيان فضيلة عمر فاقتصر عليها. والله أعلم » (١).
« وفيه فضيلة لعمر ، وقد تقدّم الجواب عمّا يستشكل من ظاهره ، وإيضاح أنه لا يستلزم أن يكون أفضل من أبي بكر ، وملخّصه : إن المراد بالأفضل من يكون أكثر ثوابا والأعمال علامات الثواب ، فمن كان عمله أكثر فدينه أقوى ، ومن كان دينه أقوى فثوابه أكثر ، ومن كان ثوابه أكثر فهو أفضل ، فيكون عمر أفضل من أبي بكر. وملخّص الجواب : إنه ليس في الحديث تصريح بالمطلوب ، فيحتمل أن يكون أبو بكر لم يعرض في أولئك الناس ، إمّا لأنه كان قد عرض قبل ذلك ، وإما لأنه لا يعرض أصلا ، أو أنّه لما عرض كان عليه قميص أطول من قميص عمر ، ويحتمل أن يكون سرّ السكوت عن ذكره الاكتفاء بما علم من أفضليته. ويحتمل أن يكون وقع ذكره فذهل عنه الراوي. وعلى التنزل بأن الأصل عدم جميع هذه الاحتمالات فهو معارض بالأحاديث الدالّة على أفضليّة الصدّيق ، وقد تواترت تواترا معنويا ، فهي المعتمدة. وأقوى هذه الاحتمالات أن لا يكون أبو بكر عرض مع المذكورين. والمراد من الخبر التنبيه على أنّ عمر ممن حصل له الفضل البالغ في الدين ، وليس فيه ما يصرّح بانحصار ذلك فيه » (٢).
وكذا قال غيره من شرّاح البخاري ، فراجع العيني والقسطلاني في المواضع المذكورة.
__________________
(١) فتح الباري ٧ / ٤١.
(٢) فتح الباري ١٢ / ٣٣٣.