ويقول الرازي بتفسير الآية : ( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ) (١) :
« فإن قيل : لمّا كان هارون نبياً والنبي لا يفعل إلا الإصلاح فكيف وصّاه بالإصلاح. قلنا : المقصود من هذا الأمر التأكيد كقوله : ( وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) » (٢).
ويقول النيسابوري : « وإنما وصّاه بالإصلاح تأكيداً واطمئناناً ، وإلاّ فالنبي لا يفعل إلاّ الإصلاح » (١).
وتلخص : أنّ من كان قد شمَّ رائحة الإسلام لا يصدر منه ما صدر من الأعور ، ولا يشك في ضلال هذا الرجل وكفره ... فإنّ الطعن على نبي من الأنبياء كفر حتى لو لم ينزل في شأنه شيء في الكتاب ، فكيف إذا جاء في القرآن براءته؟ بل إنّ الطعن في هارون طعن في النبي موسى الذي استخلفه ، بل طعن في الله سبحانه وتعالى الذي اصطفاهما لنبوّته ... ونعوذ بالله من ذلك كلّه ...
وإذ سقط ما ذكره هذا الرجل في طرف المشبَّه به ـ وهو هارون ـ سقط ما قاله في طرف المشبَّه وهو أمير المؤمنين عليهالسلام. فإن ما وقع في زمان خلافته من قتال أهل الجمل وصفين وغيرهم لم يكن إلاّ إصلاحاً وإصطلاحاً وكان بأمرٍ من الله ورسوله ... وهذا أيضاً ممّا اعترف به أكابر أهل السنة وأساطينهم ، أخذاً بالأدلة الدالة عليه من الكتاب والسنة النبوية ... ولو أردنا استيفاء الأحاديث الواردة في هذا الشأن واستقصاء كلمات أعلام القوم فيه لطال بنا المقام واحتاج إلى كتابٍ برأسه ، وسنذكر طرفاً منها بعد حديث « خاصف النّعل » إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ ، الآية ١٤٢.
(٢) التفسير الكبير ١٤ / ٢٢٧ والآية في سورة البقرة ٢ / ٢٦٠.
(٣) تفسير غرائب القرآن ٣ / ٣١٤.