مع وجوب الألف عليه نحن نعلم أنه لا كرّ عليه ، فكيف يجعل هذا عبارةً عمّا وراء المستثنى ، والكلام لم يتناول المستثنى أصلاً ، فظهر أن الطريق فيه ما قلنا ».
ثم قال البخاري في الجواب عن استدلال الشافعي نقلاً عن أصحابه :
« وكذا صحة الإستثناء في قوله : عليَّ ألف إلاّثوباً. ليست مبنيّةً على أنّ الإستثناء معارضة أيضاً ، بل هي مبنيّة على أنّ الإستثناء المتصل حقيقة ، والإستثناء المنقطع مجاز ، فمهما أمكن حمل الإستثناء على الحقيقة وجب حمله عليها ، إذ الأصل في الكلام هو الحقيقة ، ومعلوم أنّه لابدّ في الإستثناء المتّصل من المجانسة ، فوجب صرف الإستثناء إلى القيمة ليثبت المجانَسة ويتحقّق الإستخراج كما هو حقيقة ، ألا ترى أنّه لا يمكن جعله معارضة إلاّ بهذا الطريق ، إذ لا بدّ من اتحاد المحلّ أيضاً. وإذا وجب ردّ الثوب إلى القيمة تصحيحاً للإستثناء لا ضرورة إلى جعله معارضة ، بل يجعل عبارة عما وراء المستثنى » (١).
وقال البخاري أيضاً : « قوله : وقوله تعالى : ( إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا ) (٢) إستثناء منقطع. ذهب بعض مشايخنا منهم القاضي الإمام أبو زيد إلى أنّ هذا إستثناء منقطع ، وتقريره من وجهين ... وذهب أكثرهم إلى أنّه إستثناء متصل ، لأنّ الحمل على الحقيقة واجب مهما أمكن ، فجعلوه استثناء حال بدلالة الثنيّا ، فإنها تقتضى المجانسة ، وحملوا الصدر على عموم الأحوال ، أي : أضمروا فيه الأحوال فقالوا : التقدير أولئك هم الفاسقون في جميع الأحوال ، أي حال المشافهة والغيبة ، وحضور القاضي وحضور الناس وغيبتهم ، وحال الثبات والإصرار على القذف وحال الرجوع والتوبة ... ».
__________________
(١) كشف الأسرار في شرح البزدوي ٣ / ٢٥٠ ـ ٢٥١.