الشرح غور من العربية بعيد ، ومذهب نازح فسيح ، وقد ورد به القرآن وفصيح الكلام منثوراً ومنظوماً ، كتأنيث المذكر وتذكير المؤنث ، وتصوّر معنى الواحد في الجماعة والجماعة في الواحد ، وفي حمل الثاني على لفظٍ قد يكون عليه الأول ، أصلاً كان ذلك اللفظ أو فرعاً وغير ذلك.
فمن تذكير المؤنث قوله تعالى : ( فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي ) (١) أي هذا الشخص. ( فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ ) (٢) لأن الموعظة والوعظ واحد. ( إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ) (٣) أراد بالرحمة هنا المطر.
ومن تأنيث المذكّر قراءة من قرأ : تلتقطه بعض السيارة. وقولهم : ذهبت بعض أصابعه. انّث ذلك لما كان بعض السيارة سيارة في المعنى ، وبعض الأصابع إصبعاً ...
ومن باب الواحد والجماعة قولهم : هو أحسن الصبيان وأجمله. أفرد الضمير لأنَّ هذا موضع يكثر فيه الواحد ، كقولك : هو أحسن فتىً في الناس ... وقال تعالى : ( وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ ) (٤) فحمل على المعنى. وقال تعالى : ( مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ) (٥) فأفرد على لفظ مَن ثم جمع من بعد.
والحمل على المعنى واسع في هذه اللغة جدّاً. منه قوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ ) (٦) ثم قال : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ ) (١) قيل فيه : إنه محمول على المعنى ، حتى كأنه قال : أرأيت كالذي حاجَّ إبراهيم ، أو كالذي مرَّ على قرية ، فجاء بالثاني على أن الأول قد سبق كذلك ... وكذا قوله : علّفتها تبناً وماءً بارداً. أي : وسقيتها ماءً ...
ومنه باب واسع لطيف ظريف وهو : اتصال الفعل بحرف ليس ممّا يتعدّى به ، لأنه في معنى فعلٍ يتعدّى به ، كقوله تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى