الحكم المستثنى منه ـ لقيام الأدلة على خروجها ـ لا يقدح في اتصال الإستثناء ، فكذلك فيما نحن فيه.
أما أنّ هناك أشياء أخرى من المطعومات محرّمة ، فهذا غني عن الدليل والبيان ، فإنه ممّا أجمع عليه أهل الإسلام ، وإلاّ لزم القول بحليّة كثير من المحرّمات القطعيّة كالنجاسات غير المذكورة في الآية مثل الخمر والمني ، وكالمتنجّسات والمستنقذرات ، فإنّه ـ وإنْ قال مالك بحليّة الكلب وسائر الحيوانات المحرمة غير الخنزير ـ لم يخالف أحد في حرمة الخمر وسائر النجاسات ...
ومن هنا ذكر الرازي تأويلات عديدة لإخراج الخمر وغيره ـ وإنْ صحّح مذهب مالك في الكلب ـ وهذا كلامه في تفسير الآية الكريمة :
« المسألة الثانية : لمّا بيّن الله تعالى أنّ التحريم والتحليل لا يثبت إلاّ بالوحي قال : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ ) أي : على آكل يأكله. وذكر هذا ليظهر أنّ المراد منه هو بيان ما يحلّ ويحرم من المأكولات. ثم ذكر أموراً أربعة ... وكان هذا مبالغةً في بيان أنه لا يحرم إلاّهذه الاربعة ... فثبت أنّ الشريعة من أوّلها إلى آخرها كانت مستقرةً على هذا الحكم وعلى هذا الحصر.
فإنْ قال قائل : فيلزمكم في التزام هذا الحصر تحليل النجاسات والمستقذرات ، ويلزم عليه أيضاً تحليل الخمر. وأيضاً : فيلزمكم تحليل المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة ، مع أنّ الله تعالى حكم بتحريمها.
قلنا : هذا لا يلزمنا من وجوه : الأول : إنه تعالى قال في هذه الآية ( أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) ومعناه : إنّه تعالى إنما حرّم لحم الخنزير لكونه نجساً ، فهذا يقتضي أنّ النجاسة علة لتحريم الأكل ، فوجب أن يكون كل نجس فإنه