ومكاتمة المخالفين ، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضررا في الدين أو الدنيا » (١).
لقد شرع الأئمة التقية حفظا على دماء الشيعة التي استحلّها أولئك الجلادون من برابرة البشرية الذين خلقوا للجريمة والإساءة إلى الناس.
لقد اتّخذ الأئمة التقية قاعدة أساسية للسلوك السياسي والاجتماعي للشيعة ، ولو لا هذه القاعدة لما بقي للشيعة اسم ولا رسم نظرا لقسوة العذاب الذي لاقوه في تلك العهود السود التي لم تشهد الانسانية نظيرا لها في ظلمتها ومرارتها وقسوتها.
لقد شدد أئمة أهل البيت (ع) على شيعتهم بكتمان عقيدتهم ، وإخفاء المودة لهم خوفا عليهم ، وحفظا لأرواحهم ، وقد قال الامام أبو جعفر (ع) : « التقية ديني ، ودين آبائي ، ولا إيمان لمن لا تقية له » (٢).
لقد حفظت هذه الخطة الحكيمة مذهب أهل البيت (ع) ولولاها لذهب ذكرهم وما بقى لهم اسم على وجه الأرض ، فقد جهدت الحكومة الأموية والعباسية على محو ذكرهم وإزالة آثارهم ، يقول الشيخ الطوسي ، « لم تلق فرقة ولا بلي مذهب بما بليت به الشيعة من التتبع والقصد ، وظهور كلمة أهل الخلاف ، حتى أنا لا نكاد نعرف زمانا ـ تقدم ـ سلمت فيه الشيعة من الخوف ولزوم التقية ، ولا حالا عريت فيه من قصد السلطان وعصبته وميله وانحرافه » (٣).
إن التجاء الشيعة إلى التقية إنما هو دليل على مدى نضوج الفكر
__________________
(١) شرح عقائد الصدوق ( ص ٦٦ ) للمفيد.
(٢) وسائل الشيعة : كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(٣) تلخيص الشافي ١ / ٥٩.