وبعد ما أدى الامام أبو جعفر (ع) رسالته الخالدة من نشر العلم ، وإذاعة قيم الاسلام بين الناس ، اختاره الله إلى جواره لينعم في ظلال رحمته وجنانه ، ويسعد بملاقاة آبائه الذين سنوا مناهج الحق والعدل في الأرض ، ونتحدث ـ بايجاز ـ عن النهاية المشرقة من حياة الامام التي وقفها على الطاعة لله ، وإشاعة العلم ، والبر بالناس ، وفيما يلي ذلك :
وشعر الامام العظيم بدنو أجله المحتوم ، وأخذت تراوده هواجس مريرة بين لحظة وأخرى وهي تنذره بمفارقة الحياة ، فخف مسرعا ، وهو مثقل بالهموم نحو عمته السيدة فاطمة بنت الامام الحسين (ع) وهو ينعى إليها نفسه قائلا :
« لقد أتت عليّ ثمان وخمسون سنة ... » (١).
وعلمت السيدة ما أراد فذاب قلبها أسى وحسرات على ابن أخيها الذي هو بقية أهلها الذين حصدتهم سيوف البغي والضلال ... لقد أتت على الامام ثمان وخمسون سنة وهي مليئة بالخطوب والأحداث ، وقد أشاعت في نفسه الأسى والحزن ، وقد فارق الحياة بما يقارب هذا السن أبوه الامام زين العابدين ، وجده الامام الحسين (ع) فشعر (ع) من ذلك بانطواء حياته ، وقرب أجله.
__________________
(١) تذكرة الخواص ( ص ٣٥٠ ) وجاء في كشف الغمة ٢ / ٣٣٢ عن الامام جعفر الصادق (ع) أن أباه محمد الباقر (ع) قال : قتل علي وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، ومات علي بن الحسين وهو ابن ثمان وخمسين سنة ، وأنا اليوم ابن ثمان وخمسين سنة.