من ذلك حسبما يقول مالك الأشتر وكادت الفتنة أن تقع ويمنى الامام بانقلاب عسكري مدمر يقضى فيه على الاسلام ، فاستجاب (ع) لإيقاف الحرب ، وكتبت بذلك وثيقة التحكيم التي لم تحو أن عليا أمير المؤمنين واستبان لأولئك الأغبياء أنهم على ضلال مبين وأنهم قد خدعوا برفع المصاحف ، فنفروا من التحكيم ونقموا عليه وانطلقوا إلى الامام يطالبونه بإعلان التوبة ، والمضي في الحرب ، ولم يرتض منهم الامام هذا المنطق الهزيل ، إذ كيف ينقض ما عاهد عليه القوم من إيقاف القتال ، وكيف يتوب عن ذنب لم يقترفه ، وإنما هم الذين اقترفوه ، وأخذوا يضايقونه ، ويشاغبون عليه وهم يهتفون :
« لا حكم إلا لله »
وقد أصبحت هذه الكلمة شعارهم الرسمي ، وكان الامام (ع) يقول :
إنها كلمة حق أريد بها باطل ، فقد كان الحكم عندهم للسيف لا لله ، فأشاعوا القتل بين المسلمين بغير حق ، ونشروا الفساد في الأرض ، وقد حاججهم الامام وأقام سيلا من الأدلة على فساد ما ذهبوا إليه ، فلم ينفع ذلك معهم وأصروا على الغي والعدوان ، فاضطر الامام إلى مناجزتهم فكانت حرب النهروان التي أبيد فيها معظمهم ، وقد صحبوا معهم العار والخزي ، فقد سفكت دماؤهم ، وهم في ضلال مبين ، وقد نقم عليهم المسلمون وهجاهم الشعراء ، يقول الكميت :
إني أدين بما
دان الوصي به |
|
يوم النخيلة من
قتل المحلينا |
وبالذي دان يوم
النهر دنت به |
|
وشاركت كفه كفي
بصفينا |
تلك الدماء معا
يا رب في عنقي |
|
ومثلها فاسقني
آمين آمينا (١) |
__________________
(١) تهذيب الكامل ١ / ٨٦.