في كلتا الحالتين ، ولكنهما يختلفان بلحاظ مبادئ النهي من المفسدة والمبغوضية فان الاضطرار إلى الفعل يشكل حصة من وجود الفعل مغايرة للحصة التي تصدر من المكلف بمحض اختياره فيمكن ان يفترض ان الحصة الواقعة عن اضطرار كما لا نهي عنها لا مفسدة ولا مبغوضية فيها وانما المفسدة والمبغوضية في الحصة الأخرى.
واما الاضطرار إلى ترك الفعل والعجز عن ارتكابه فلا يشكل حصة خاصة من وجود الفعل على النحو المذكور فلا معنى لافتراض ان الفعل غير المقدور للمكلف ليس واجدا لمبادئ الحرمة وانه لا مفسدة فيه ولا مبغوضية ، إذ من الواضح ان فرض وجوده مساوق لوقوع المفسدة وتحقق المبغوض فكم فرق بين من هو مضطر إلى أكل لحم الخنزير لحفظ حياته ومن هو عاجز عن أكله لوجوده في مكان بعيد عنه فأكل لحم الخنزير عن اضطرار إليه قد لا يكون فيه مبادئ النهي أصلا فيقع من المضطر بدون مفسدة ولا مبغوضية واما أكل لحم الخنزير البعيد عن المكلف فهو واجد للمفسدة والمبغوضية لا محالة وعدم النهي عنه لا لأن وقوعه لا يساوق الفساد بل لأنه لا يمكن ان يقع ، ونستخلص من ذلك ان مبادئ النهي يمكن ان تكون منوطة بعدم الاضطرار إلى الفعل ولكن لا يمكن ان تكون منوطة بعدم العجز عن الفعل ، وعليه ففي حالة الاضطرار إلى الفعل في أحد طرفي العلم الإجمالي يمكن القول بأنه لا علم إجمالي بالتكليف لا بلحاظ النهي ولا بلحاظ مبادئه ، واما في حالة الاضطرار بمعنى العجز عن الفعل في أحد طرفي العلم الإجمالي فالنهي وان لم يكن ثابتا على كل تقدير ولكن مبادئ النهي معلومة الثبوت إجمالا على كل حال وهو كاف في التنجيز لأن ما يدخل في العهدة انما هو روح الحكم وان لم يجعل المولى خطابا على طبقه لعدم الحاجة إليه أو لاستهجانه فالركن الأول ثابت لأن العلم الإجمالي بالتكليف يشمل العلم الإجمالي بمبادئه ويجب ان يفسر عدم التنجيز على أساس اختلال الركن الثالث أي ان الأصل المؤمن يجري في الطرف المقدور بلا معارض إذ لا معنى لجريانه في الطرف غير المقدور لأن إطلاق العنان تشريعا في مورد تقيد العنان تكوينا لا محصل له فينحل العلم الإجمالي حكما هذا على مسلك الاقتضاء واما على مسلك العلية فائضا لا يكون العلم الإجمالي منجزا لأنه ليس صالحا لتنجيز معلومه على كل تقدير لأن التنجيز هو الدخول في العهدة عقلا والطرف غير المقدور كما لا يعقل تعلق الخطاب به لا يعقل تنجزه ودخوله في العهدة عقلا