الْأَسْبابَ * أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى ) (١) ، كما أن طبيعة الجملة الإنشائيّة من نوع النهي هو إنشاء النسبة الزجريّة بين النهي والمنهي عنه كقوله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلاً ) (٢).
والمتحصّل مما ذكرنا أنّ المدلول التصديقي ـ والذي يكون في الجمل التامّة ـ لا يتحقّق إلاّ من القاصد الجاد في الحكاية عن الواقع فهو بهذا غير مستفاد من الوضع وإنّما هو مستفاد من معرفة حال المتكلّم ، فلذلك لا تكون الجمل التامّة مفيدة للمدلول التصديقي الثاني لو كانت صادرة من غير عاقل أو من عاقل غير جادّ في الحكاية عن الواقع.
وهذا الكلام ينسجم مع جميع نظريّات الوضع ما عدا نظريّة التعهّد فإنّه بناء على نظرية التعهّد يكون المدلول التصديقي مستفادا عن الوضع والذي هو التعهّد ؛ وذلك لأن التعهّد كما قلنا هو التباني النفساني على أن لا يأتي باللفظ إلاّ إذا كان قاصدا لتفهيم المعنى ، وهذا يقتضي أن يكون متعلّق التعهّد واقعا تحت اختيار المتعهّد إذ من غير المعقول تعلّق التعهّد بشيء خارج عن القدرة والاختيار.
ومع اتّضاح هذا هناك أمر لا بدّ من التنبيه عليه ، وهو : أنّ المشهور ذهبوا إلى أن الجملة الخبريّة مثلا في مرحلة المدلول التصوّري تدل على ثبوت النسبة أو لا ثبوتها ، وبمجموع ما ذكرناه يتّضح استحالة تعلّق التعهّد بالجملة الخبريّة ـ بالمعنى المذكور عند المشهور ـ إذ أنّ ثبوت النسبة أو عدم
__________________
(١) سورة غافر : آية ٣٦ و ٣٧
(٢) سورة الإسراء : آية ٣٢