( وَأَطِيعُوا اللهَ ) (١) ، فإنّ صيغة الأمر هنا استعملت في الأمر الإرشادي ، والذي صرف ظهور هذه الصيغة عن الأمر المولوي الوجوبي هو وجود قرينة عقليّة تمنع من هذا الظهور بل وتكوّن ظهورا آخر وهو الظهور في الإرشاديّة ، وهذه القرينة هي حكم العقل باستحالة أن يكون هذا الأمر مولويّا إذ لو كانت طاعة الله عزّ وجلّ مستندة إلى أمر الله جلّ وعلا لكنّا قد احتجنا إلى أمر يبعثنا نحو طاعة أمر الله الذي يقتضي طاعة الله.
وهكذا الكلام في هذا الأمر الأخير ، فإما أن يدور أو يتسلسل وكلاهما مستحيل ، أما إذا استندت طاعة الله عزّ وجلّ إلى ما يقتضيه العقل من لزوم طاعة المولى جلّ وعلا انتفى كلا المحذورين ، وهذه القرينة هي التي صرفت صيغة الأمر عن ظهورها في الوجوب وكوّنت ظهورا جديدا للأمر وهو الإرشاديّة ، فالمراد من الإرشاديّة إذن في المقام هو التنبيه على ما يحكم به العقل من لزوم طاعة المولى جلّ وعلا ، إذن الأمر الإرشادي لا يبعث بنفسه نحو متعلّقه.
القسم الثاني : ـ من الأوامر الإرشاديّة ـ ما يكون مدلوله حكما وضعيّا ـ وقد قلنا ـ إن الأحكام الوضعيّة هي مجعولات شرعيّة لا تتّصل بفعل المكلّف مباشرة أي أنها ليست حكما تكليفيّا مجعولا على عهدة المكلّف بحيث يكون المكلف مبعوثا نحوها ومطلوبا منه إيجادها ، نعم قد تكون موضوعا لحكم تكليفي ـ كما بيّنّا ذلك في محلّه ـ ، والأحكام الوضعيّة هي مثل الطهارة والنجاسة والملكية والصحة والفساد لأن هذه المجعولات
__________________
(١) سورة التغابن : آية ١٢