على حالها بحيث يمكن للمتكلّم أن يعتمد عليها لو أراد الإطلاق دون الحاجة إلى التوسّل بقرائن مفيدة لنفي القيود غير قرينة الحكمة فإمكان اعتماده على صلاحية اللفظ لعروض الإطلاق عليه دليل على عدم تأثير غلبة الوجود على العلاقة الوضعية بين لفظ الطبيعة ومعناها السعي.
العامل الثاني : هو كثرة استعمال اللفظ الدال على الطبيعة في بعض أفراده على نحو تعدّد الدال والمدلول بأن يأتي بالإضافة إلى لفظ الطبيعة بما يدل على إرادة بعض الأفراد فيكون هناك دالان ومدلولان ، فالدال الأول هو لفظ الطبيعة الموضوع لإفادة معنى الطبيعة ، والدال الثاني هو القيد الموجب لإفادة بعض أفراد الطبيعة دون غيرها.
ويمكن التمثيل له بقوله تعالى : ( يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ... ) ( إلى قوله ) ( وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ) (١) فإنّ عنوان أهل الكتاب يدلّ بحسب سعته اللفظية على كل من نزل عليهم كتاب من الله عزّ وجلّ ، فهو يشمل المسلمين إلا أنه كثر استعمال هذا العنوان مع القرينة ـ كما في الآية الشريفة ـ في اليهود والنصارى حتى صارت هذه الكثرة موجبة لانصراف الذهن إلى خصوص اليهود والنصارى عند إطلاق هذا العنوان حتى وإن كان مجردا عن القرينة.
إذا اتّضح هذا فنقول : إن كثرة الاستعمال الموجبة للانصراف يمكن تصنيفها إلى ثلاث مراتب.
المرتبة الأولى : أن تؤدي كثرة الاستعمال إلى نقل اللفظ من معناه
__________________
(١) سورة آل عمران : آية ٧١ ، ٧٢