ومع اتضاح الفرق بين الدلالات الثلاث نصل إلى ما هو الغرض من عقد هذا البحث ، وهو البحث عن ما هو المرجع في حالات الشك في إرادة المتكلّم وأنّه هل أراد المعنى الموضوع له اللفظ وهل قصد الحكاية عنه أو أنه أراد معنى آخر غير المعنى الحقيقي وقصد الحكاية عن معنى آخر غير المعنى الموضوع له اللفظ « الحقيقي »؟
فأولا : نبحث عمّا هو المرجع في حالات الشك في الإرادة الاستعمالية ، وهل أن المتكلّم استعمل اللفظ في معناه الحقيقي وقصد إخطار المعنى الحقيقي أو لا؟
فنقول : إن المخاطب حينما يتلقّى كلاما من متكلّم عاقل ملتفت فإنّ له ثلاث حالات ، فتارة يحرز إرادة المتكلّم لإخطار المعنى الموضوع له اللفظ ، فالاستعمال هنا حقيقي ، وتارة يحرز أنّ المتكلّم أراد معنى آخر غير المعنى الموضوع اللفظ وحينئذ يكون الاستعمال مجازيّا ، والحالة الثالثة يقع الشك في إرادة المتكلّم ، وأنّه هل أراد من اللفظ معناه الموضوع له أو أراد معنى آخر غير المعنى الموضوع له اللفظ.
وهذه الحالة لا تتصوّر إلا مع فقدان القرينة على ما هو المراد ، وعندئذ يقع البحث عمّا هو المرجع في هذه الحالة ، فهل المرجع هو أصالة الحقيقة أو أنّ الإرادة الاستعمالية تكون في مثل هذه الحالة مجملة؟
والجواب : أنّ المصنّف رحمهالله ـ وكما هو المذهب المعروف ـ ذهب إلى أنّ المرجع في هذه الحالة هو أصالة الحقيقة والتي تعني أصالة التطابق بين الدلالة الوضعية التصورية والدلالة التصديقية الأولى ، وأن المتكلّم حين يستعمل اللفظ ، فإنه قاصد لإخطار معناه الموضوع له ذلك اللفظ ، فإنّ