الأحكام منشؤه التنافي الواقع بين ملاكات هذه الأحكام ، إذ أنه لو كانت هذه الأحكام جزافية واعتبارية محضة لما كان بينها أي تناف وتضاد.
وتوضيح ذلك : لو كان الوجوب أو الحرمة أو سائر الأحكام مجرد اعتبارات محضة ليس وراءها منشأ وسبب لما كانت متضادة ؛ وذلك لأن الاعتبار كما قيل سهل المؤونة إذ أنه ينشأ عن كيفية نفسانية تفترض ثبوت شيء لشيء دون أن يكون لذلك الافتراض واقع ومبرّر كافتراض الليل نهارا والحجر ماء فإنه لا مانع من أن أهيء نفسي تهيئة خاصة أجعلها تذعن أنّ الليل نهار والحجر ماء.
ويمكن تنظير ذلك بالأطفال عندما يلعبون مدرسة ، فإنهم يعتبرون أحدهم مدرّسا والآخر تلميذا ، ثم يعكسون ذلك الاعتبار فيعتبرون الأول تلميذا والآخر مدرّسا ؛ كلّ ذلك لأنّ الاعتبار لمّا كان افتراضا جزافيا فلا محذور في عروض اعتبارين متنافيين على موضوع واحد فيمكن اعتبار هذا الماء حارا وفي نفس الوقت نعتبره باردا.
وقديما قال الشاعر العربي :
فإذا نشوت فإنني ربّ الخورنق والسدير |
|
وإذا صحوت فإنني ربّ الشويهة والبعير |
فإنّه إذا أخذت الخمرة منه مأخذها فإنه يعتبر نفسه ملك العرب والعجم وإذا ما آب إليه رشده فهو ليس أكثر من مالك لشاة وبعير.
إذا اتضح هذا فالكلام ينسحب إلى الأحكام التكليفية ، فإنها لو كانت اعتبارية محضة لما كان هناك أيّ محذور في جعل الوجوب والحرمة على فعل واحد وفي وقت واحد ، ومنه نعرف أن دعوى التضاد بين