التحليل الوجداني بملاحظة ما عليه المجتمعات العقلائيّة على اختلاف مشاربها ومنابع ثقافتها وظروفها ، فإذا وجدناها متفقة مع ما وصلنا إليه من نتيجة فإنّ ذلك يؤكّد أنّ ما وصلنا إليه لم يكن خاضعا لرواسب التربية والثقافة والتي قد تخلق جوا ذهنيّا خاصّا دون أن يشعر الإنسان أنّه واقع تحت هيمنة تلك التربية أو الثقافة التي نشأ في محيطها.
وهذه المحاولة وإن كانت موجبة للوثوق بتطابق السيرة المعاصرة للمعصوم عليهالسلام مع ما عليه السيرة فعلا إلاّ أنّها ليست طريقة موضوعيّة يمكن التوسّل بها لإثبات المطلوب للخصم بمعنى أنّها ليست برهانية لأنّها تعتمد خطوات لا توصل إلاّ من سار عليها والبرهان ليس من هذا القبيل ؛ إذ أنّ البرهان يعتمد مقدّمات محرّرة في مرحلة سابقة يتمّ عن طريق ضمّها إثبات المطلوب.
نعم الاستدلال على المطلوب بما عليه المجتمعات العقلائيّة على اختلاف مشاربهم وثقافتهم يكون برهانيا.
وكيف كان فالوثوق بمعاصرة السيرة الفعليّة لزمن المعصوم عليهالسلام لا ينهي البحث ، إذ تبقى مشكلة لا بدّ من حلّها ، وهي أنّه كيف نثبت أنّ هذه السيرة كانت ممضاة من المعصوم عليهالسلام؟ إذ لعلّه ردع عنها ولم نقف نحن على الردع ، وغاية ما يمكن أن نثبته هو عدم وجدان الردع ، إلاّ أنّ ذلك لا يكشف عن عدم وجود الردع المقتضي للإمضاء.
ويمكن حلّ هذه المشكلة بهذا البيان :
وهو ادّعاء الوثوق بعدم وجود الردع لعدم وصوله بالوجدان ، ومبرّر هذا الادّعاء هو انّ افتراض السيرة العقلائيّة المبحوث عن إمضائها متجذّرة