فلو قطع المكلّف مثلا بوجوب صلاة الجمعة ومع ذلك خالف ولم يصلّ ، واتّفق أنّ قطعه كان خاطئا وأنّ صلاة الجمعة ليست واجبة فإنّ هذا المكلّف متجرّ وترك صلاة الجمعة متجرّبه.
إذن التجرّي يتقوّم بشيئين : الأوّل : مخالفة التكليف المعلوم ، والثاني : عدم مطابقة ذلك التكليف للواقع ، فإذا تحقّق كلا القيدين تحقّق عنوان التجرّي.
إذا اتّضح معنى التجرّي والفرق بينه وبين المعصية ، يصل بنا الحديث إلى ما عقد البحث لأجله وهو أنّه هل يحكم العقل باستحقاق المتجرّي للعقاب كما يحكم باستحقاق العاصي له أو لا؟
والجواب على ذلك يرتبط أيضا بتحديد موضوع حق الطاعة وأنّ العقل متى يحكم بلزوم طاعة المولى وفي المقام احتمالان ثبوتيّان :
الأول : أنّ الموضوع ـ الذي يحكم العقل بلزوم طاعة المولى إذا تحقّق ـ هو التكليف المعلوم إذا اتفق مطابقته للواقع.
الثاني : أنّ الموضوع لحق الطاعة للمولى على عباده هو التكليف المنكشف ولو لم يكن مطابقا للواقع.
وتختلف النتيجة في الاحتمالين ، فبناء على الاحتمال الأول لا يكون المكلّف مستحقا للعقاب على مخالفة الفعل المتجرى ؛ به لأن حدود مولويّة المولى لا تثبت للتكاليف غير الواقعيّة وإن كان المكلّف قاطعا بها إذ أن القطع بالتكليف بناء على هذا الاحتمال ليس هو وحده موضوع حق الطاعة بل هو مع مطابقة التكليف للواقع ، وأما بناء على الاحتمال الثاني ، فالمكلّف مستحقّ للعقاب إذا خالف التكليف المعلوم حتى وإن لم يكن ذلك التكليف