محارمه ، وهذا هو الأظهر ، وذلك لأنّ الأخبار الواردة في المقام وإن اشتملت على أنّه لا يخلع ثوبه ويصب عليه الماء صباً ، أو من وراء الثِّياب وغير ذلك من التعابير ، إلاّ أنّها لا تدل على أنّ الغسل من وراء الثِّياب واجب مولوي تعبّدي ، بل إنّما يستفاد منها عرفاً أنّه من جهة حرمة النظر إلى عورة الميِّت والأمر به إرشاد إلى التخلص من الحرام.
ويدلُّ على ذلك ما ورد في صحيحة منصور المتقدِّمة (١) من الأمر بإلقاء الخرقة على عورتها ، لأنّه إنّما يصح فيما إذا كان بدن الميِّت عارياً وإلاّ فمع القميص أو الدرع على بدنه لا معنى للأمر به.
وبهذا يظهر أنّ التغسيل مجرداً لا محذور فيه ، وإنّما المحرّم النظر إلى عورته ، ومن ثمة أمر عليهالسلام بإلقاء الخرقة على عورته حتّى يتخلص به عن ذاك الحرام.
بل يمكن أن يقال : إنّ التغسيل من وراء الثِّياب لأجل عدم وقوع النظر على عورة الميِّت ليس واجباً شرطياً في صحّة الغسل أيضاً ، وذلك لأنّه بحسب الفهم العرفي إنّما هو مقدمة لعدم وقوع النظر على عورة الميِّت بحيث لو غسله ليلاً أو كان المغسّل أعمى لم يشترط في صحّة الغسل أن يكون تغسيله من وراء الثِّياب ، بل لو غسله مع النظر إلى عورته وارتكابه عصياناً لم يبطل غسله وإن ارتكب محرماً.
وعلى الجملة : حمل الأمر أو النهي الواردين في الأجزاء والشرائط على بيان الشرطية أو الجزئية أو المانعية إنّما هو لأجل الظهور ، وبما أنّ الأخبار الآمرة بالتغسيل من وراء الثِّياب غير ظاهرة في الإرشاد إلى الشرطية ، فلا جرم يحمل الأمر بها على بيان الوجوب النفسي دون الشرطي ، بل مقتضى المناسبة أن يكون ذلك واجباً نفسياً ، لأنّه بعد تجويز تغسيل المحرم محرمة أمر عليهالسلام بإلقاء الخرقة على عورته ، وظاهره أن ذلك واجب في نفسه وليس شرطاً في صحّة التغسيل بوجه.
__________________
(١) في ص ٣٤٦.