المغلوب ولا لك ظفر الظافر فإنك لذاهب في التيه رواغ عن القصد (١) ألا ترى غير مخبر لك لكن بنعمة الله أحدث أن قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ولكل فضل حتى إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء وخصه رسول الله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه (٢) أولا ترى أن قوما قطعت أيديهم في سبيل الله ولكل فضل حتى إذا فعل بواحدنا كما فعل بواحدهم قيل الطيار في الجنة وذو الجناحين (٣) ولو لا ما نهى الله عن تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمة تعرفها قلوب المؤمنين ولا تمجها آذان السامعين ـ فدع عنك من مالت به الرمية (٤) فإنا صنائع ربنا والناس بعد صنائع لنا (٥) لم يمنعنا قديم عزنا ولا عادي طولنا (٦) على قومك أن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الأكفاء ولستم هناك وأنى يكون ذلك كذلك ومنا النبي ومنكم المكذب (٧) ومنا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف (٨) ومنا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار (٩) ومنا خير نساء العالمين ومنكم حمالة الحطب (١٠) في كثير
__________________
(١) أي : حائد عن القصد.
(٢) هو « حمزة بن عبد المطلب » عم الرسول « صلىاللهعليهوآله » وقد مر ذكره في هامش ص ١٩٤ فراجعه.
(٣) هو جعفر بن أبي طالب (عليهالسلام) وقد مر ذكره في هامش ص ١٧٢ من هذا الكتاب فراجع.
(٤) الرمية : الصيد وهو مثل يضرب لمن أعوج غرضه فمال عن الاستقامة لطلبه والمراد هنا بمن مالت به الرمية الأول والثاني.
(٥) قال العلامة المجلسي في ج ٨ ص ٥٣٦ من بحار الأنوار :
قوله (عليهالسلام) : « فأنا صنايع ربنا » هذا كلام مشتمل على أسرار عجيبة من غرائب شأنهم التي تعجز عنها العقول ، ولنتكلم على ما يمكننا اظهاره والخوض فيه فنقول.
صنيعة الملك : من يصطنعه ويرفع قدره ، ومنه قوله تعالى : ( وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ) أي : اخترتك واخذتك صنيعتي ، لتتصرف عن ارادتي ومحبتي.
فالمعنى : انه ليس لأحد من البشر علينا نعمة ، بل الله تعالى أنعم علينا ، فليس بيننا وبينه واسطة ، والناس بأسرهم صنائعنا فنحن الوسائط بينهم وبين الله سبحانه.
ويحتمل أن يريد بالناس بعض الناس أي المختار من الناس ، نصطنعه ونرفع قدره
وفي ج ٣ من النهج لابن أبي الحديد ص ٤٥١ قال :
هذا كلام عظيم عال على الكلام ، ومعناه عال على المعاني ، وصنيعة الملك من يصطنعه الملك ويرفع قدره ، يقول : ليس لأحد من البشر علينا نعمة بل الله تعالى هو الذي أنعم علينا ، فليس بيننا وبينه واسطة ، والناس بأسرهم صنائعنا فنحن الواسطة بينهم وبين الله تعالى ، وهذا مقام جليل ، ظاهره ما سمعت وباطنه أنهم عبيد الله ، وان الناس عبيدهم.
وقال محمد عبده في ص ٣٦ من ج ٣ من نهج البلاغة :
آل النبي : أسراء إحسان الله عليهم والناس أسراء فضلهم بعد ذلك.
(٦) الطول : الفضل. قال العلامة المجلسي في ص ٥٣٦ من ج ٨ من بحار الأنوار « أقول : قد ظهر لك مما سبق ان بني أمية لم يكن لهم نسب صحيح ليشاركوا في الحسب آباءه (عليهمالسلام) مع ان قديم عزهم لم ينحصر في النسب بل أنوارهم (عليهمالسلام) أول المخلوقات ومن بدو خلق أنوارهم الى خلق أجسادهم وظهور آثارهم كانوا معروفين بالعز والشرف والكمالات ، في الأرضين والسماوات ، يخبر بفضلهم كل سلف خلفا ، ورفع الله ذكرهم في كل امة عزا وشرفا.
(٧) المكذب : أبو سفيان كان المكذب لرسول الله وعدوه المجلب عليه وقيل المراد به أبو جهل.
(٨) أسد الله : حمزة وأسد الأحلاف ، قيل : هو أسد بن عبد العزى ، وقيل : عتبة بن ربيعة ، وقيل : أبو سفيان لأنه حزب الأحزاب ، وحالفهم على قتال النبي صلىاللهعليهوآله في غزوة الخندق.
(٩) وصبية النار : اشارة الى الكلمة التي قالها النبي صلىاللهعليهوآله لعقبة بن أبي معيط حين قتله يوم بدر وقال ـ كالمستعطف له صلىاللهعليهوآله : « من للصبية يا محمد » قال : النار.
(١٠) حمالة الحطب : أم جميل بنت حرب بن أمية امرأة أبي لهب.