عبيدا ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) وغوي ورشيد ثم اختارهم على علم منه واصطفى وانتجب منهم محمدا صلىاللهعليهوآله واصطفاه لرسالته وائتمنه على وحيه فدعا إلى سبيل ربه ( بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) فكان أول من أجاب وأناب وأسلم وسلم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب عليهالسلام فصدقه بالغيب المكتوم وآثره على كل حميم ووقاه من كل مكروه وواساه بنفسه في كل خوف وقد رأيتك تساويه وأنت أنت وهو هو المبرز والسابق في كل خير وأنت اللعين بن اللعين لم تزل أنت وأبوك تبغضان وتبغيان في دين الله الغوائل وتجتهدان على إطفاء نور الله تجمعان الجموع على ذلك وتبذلان فيه الأموال وتحالفان عليه القبائل.
على ذلك مات أبوك وعليه خلفته أنت.
فكيف لك الويل تعدل عن علي وهو وارث علم رسول الله ووصيه وأول الناس له اتباعا وآخرهم به عهدا وأنت عدوه وابن عدوه فتمتع بباطلك ما استطعت وتبدد بابن العاص في غوايتك فكأن أجلك قد انقضى وكيدك قد وهى ثم تستبين لك لمن تكون العاقبة العليا ( وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى ).
فأجابه معاوية هذا إلى الزاري (١) على أبيه محمد بن أبي بكر سلام على أهل طاعة الله أما بعد:
فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه مع كلام ألفته ورصفته لرأيك فيه (٢) وذكرت حق علي وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله صلىاللهعليهوآله ونصرته ومواساته إياه في كل خوف وهول وتفضيلك عليا وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك فالحمد لله الذي صرف ذلك عنك وجعله لغيرك.
وقد كنا وأبوك معنا في زمن نبينا صلىاللهعليهوآله نرى حق علي عليهالسلام لازما لنا وسبقه مبرزا علينا فلما اختار الله لنبيه ما عنده وأتم له ما وعده قبضه الله إليه ـ وكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه (٣) وخالفه على ذلك واتفقا ثم دعواه على [ إلى ] أنفسهما فأبطأ عليهما فهما به الهموم وأرادا به العظيم فبايع وسلم لأمرهما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرهما حتى قضى الله من أمرهما ما قضى.
ثم قام بعدهما ثالثهما يهدي بهداهما ويسير بسيرتهما فعتبه [ فعبته ] أنت وصاحبك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي حتى بلغتما منه مناكما وكان أبوك مهد مهاده فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله وإن يك جورا فأبوك سنه ونحن شركاؤه وبهذا اقتدينا ولو لا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا عليا ولسلمنا له ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فأخذنا بمثاله فعب أباك أو دعه والسلام على من تاب وأناب.
__________________
(١) زرى عليه عمله : عابه عليه.
(٢) رصف الحجارة : ضم بعضها الى بعض.
(٣) ابتز منه الشيء : استلبه قهرا.