استقالونا واستراحوا إلى كتاب الله سبحانه فالرأي القبول منهم والتنفيس عنهم (١) فقلت لكم هذا أمر ظاهره إيمان وباطنه عدوان وأوله رحمة وآخره ندامة فأقيموا على شأنكم والزموا طريقتكم وعضوا على الجهاد بنواجذكم (٢) ولا تلتفتوا إلى ناعق نعق (٣) إن أجيب أضل وإن ترك ذل فلقد كنا مع رسول الله وإن القتل ليدور بين الآباء والأبناء والإخوان والقرابات فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلا إيمانا ومضيا على الحق وتسليما للأمر وصبرا على مضض الجراح (٤) ولكنا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام ـ على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج (٥) والشبهة والتأويل فإذا طمعنا في خصلة يلم الله بها شعثنا ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا رغبنا فيها وأمسكنا عما سواها.
وقال عليهالسلام في التحكيم (٦):
إنا لم نحكم الرجال (٧) وإنما حكمنا القرآن وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين الدفتين لا ينطق بلسان ولا بد له من ترجمان وإنما ينطق عنه الرجال ولما أن دعانا القوم إلى أن يحكم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولي عن كتاب الله عز وجل وقد قال الله سبحانه : ( فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) (٨) فرده إلى الله أن نحكم بكتابه ـ ورده إلى الرسول أن نأخذ بسنته فإذا حكم بالصدق في كتاب الله فنحن أحق الناس به وإذا حكم بسنة رسوله فنحن أولاهم به (٩).
وأما قولكم لم جعلت بينك وبينهم أجلا في التحكيم فإنما فعلت ذلك ليتبين الجاهل (١٠) ويتثبت العالم (١١) ولعل الله أن يصلح في هذه الهدنة أمر هذه الأمة ولا تؤخذ بأكظامها (١٢) فتعجل عن تبين الحق
__________________
(١) نفس عنه : فرج عنه.
(٢) النواجذ من الأسنان ـ بالذال المعجمة ـ : الضواحك وهي : التي تبدو عند الضحك
(٣) النعيق : صوت الراعي بغنمه يريد (عليهالسلام) لا تتبعوا كل داع الى ضلالة.
(٤) المضض : وجع المصيبة.
(٥) الزيغ : الميل عن الحق.
(٦) تجد هذا الكلام في ج ٢ ص ٧ من نهج البلاغة.
(٧) هذا رد على قولهم ـ بعد ان حملوه على التحكيم ـ : « لم حكمت الرجال لا حكم الا لله » فردهم (عليهالسلام) بهذا القول ، لأن القوم انما دعوه لتحكيم القرآن ، لا لتحكيم الرجلين ، وحيث ان القرآن صامت يحتاج الى ترجمان اضطر (عليهالسلام) الى تحكيم الرجال ، والقرآن في الواقع هو الحكم ، وقد اشترط على الحكمين ان يحكما بكتاب الله وسنة رسوله فلما خالفا الشرط بطل تحكيمهما ولم يلزمه اتباع قولهما.
(٨) الآية ٥٩ النساء ـ
حين دعاه القوم لتحكيم القرآن لم يكن (عليهالسلام) ليتخلف حتى ينطبق عليه قوله تعالى ( وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ ).
(٩) أي : أحق بكتاب الله وأولى برسوله (صلىاللهعليهوآله).
(١٠) أي ليظهر له وجه الحق.
(١١) أي : يطمئن قلبه بدفع الشبه.
(١٢) الأكظام جمع كظم ـ بالتحريك ـ وهو : مخرج النفس من الحلق.