أن انتكث عليه فتله وكبت به بطنته وأجهز عليه عمله (١) فما راعني إلا والناس رسل إلي كعرف الضبع ينثالون علي من كل جانب (٢) حتى لقد وطئ الحسنان وشق عطفاي (٣) مجتمعين حولي كربيضة الغنم (٤) فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وفسق آخرون (٥) كأنهم لم يسمعوا الله سبحانه وتعالى يقول : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (٦) بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكن حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها (٧).
أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو لا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على أولياء الأمر أن لا يقروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم (٨) لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم عندي أهون من عفطة عنز.
قال فقام إليه رجل من أهل السواد فناوله كتابا فقطع كلامه فأقبل ينظر إليه فلما فرغ من قراءته.
قال ابن عباس قلت له يا أمير المؤمنين لو اطردت مقالتك من حيث أفضيتها قال يا ابن عباس هيهات هيهات تلك شقشقة هدرت ثم قرت.
قال ابن عباس فما أسفت على شيء ولا تفجعت كتفجعي على ما فاتني من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام.
وأمثال هذه الأخبار من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام كثيرة أوردنا طرفا منها للإيجاز والاختصار.
ومما يوضح ما أثبتناه ما روي عن أم سلمة زوجة رسول الله صلىاللهعليهوآله أنها قالت :
كنا عند رسول الله تسع نسوة وكانت ليلتي ويومي من رسول الله صلىاللهعليهوآله فأتيت الباب فقلت أدخل يا رسول الله ص؟ فقال لا.
__________________
ـ الحكم اخا مروان بن الحكم ، واقطع مروان فدكا وقد كانت فاطمة طلبتها بعد وفاة أبيها رسول الله تارة بالميراث ، وتارة بالنحلة ، فدفعت عنها إلى آخر ما ذكره ابن أبي الحديد فاليراجع وعمل الحجة الأميني في ج ٩ من كتاب الغدير قائمة بمصر وفاته على قومه وذوبه فالتراجع أيضا.
(١) انتكث : انتقض. والفتل : برم الحبل. وكبا الفرس : أسقط لوجهه.
والبطنة : شدة الامتلاء من الطعام. واجهز ـ على المريض ـ : قتله واسرع.
والعرف : الشعر النابت في محدب رقبة الفرس.
(٢) الروع : الخلد والذهن راعني : أفزعني ، والعرف : الشعر النابت في محدب رقبة الفرس. وامثال ـ الشيء ـ : إذا وقع يتلو بعضه بعضا
(٣) العطاف : الرداء ، وعطفا الرجل : جانباه من لدن رأسه الى وركيه. أي شق قميصه من جانبيه من شدة الازدحام عليه.
(٤) ربيضة الغنم : المجتمعة برعاتها.
(٥) مروق السهم : خروجه من الرمية.
المراد بالناكثين للبيعة هم : طلحة والزبير وأصحابهم بايعوا ثم نكثوا البيعة. والمارقين هم : الخوارج ، والفاسقين هم : القاسطون وأصحاب معاوية.
(٦) القصص : ٨٣
(٧) الزبرج ـ بكسر الزاء والراء ـ : الزينة.
(٨) الكظة : البطنة ، ما يعتري الإنسان بعد الامتلاء من الطعام. والسغب : الجوع.