فصاحبها كراكب الصعبة ـ إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم (١) فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس وتلون واعتراض (٢) فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله فجعلها شورى في جماعة زعم أني أحدهم (٣) فيا لله وللشورى متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر لكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا (٤) فصبرت على طول المحنة وانقضاء المدة ـ فمال رجل منهم لضغنه وصغا الآخر لصهره مع هن وهن (٥) إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه (٦) وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع (٧) ، إلى
__________________
(١) الصعبة من الإبل : الغير المذللة. وأشنق لها بالزمام : إذا جذبه إلى نفسه وهو راكب ليمسكها عن الحركة العنيفة والخرم الشق وأسلس لها : أرخى لها وتقحم في الأمر : ألقى نفسه فيه بقوة. فصاحبها أي : صاحب تلك الطباع الخشنة مثله. وهو يتولى شئون الرعية وتدبير أمورهم ـ كمثل راكب الناقة الصعبة التي لم تذلل ، فهو بين خطرين : إن جذبها إليه شق أنفها ، وإن أرخى لها القياد ألقت به في المهالك ، والناقة الصعبة أراد الرعية لأنها لم تألفه وتنفر من طباعه فلا تستقيم له بحال ، أو هي صاحب تلك الطباع ، وحينئذ يكون المقصود من قوله (عليهالسلام) إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحم ، أن الذي يريد إصلاح صاحب تلك الطباع واقع بين خطرين فان أنكر عليه عمله وقع الانشقاق والاختلاف بينهما ، وإن تركه وشأنه أدى به الأمر إلى الإخلال بالواجب.
ووجه ثالث : يمكن أن يكون المقصود بالناقة الخلافة ، فإذا استرجعها بالقوة شق عصا المسلمين وأوقع الخلاف في صفوفهم مما يؤدي بالنتيجة إلى الردة ، وإن تركها وسكت عنها ، سارت في غير اتجاهها فهو منها بين خطرين.
(٢) مني الناس : ابتلوا. والخبط الحركة على غير استقامة ، والشماس ـ بكسر ـ الشين ـ كثرة النفار والاضطراب. والتلون : اختلاف الأحوال والاعتراض ضرب من التلون وأصله المشي في عرض الطريق.
(٣) خلاصة حديث الشورى : أن عمر بن الخطاب لما طعنه أبو لؤلؤة وأيقن بالموت دعا وجوه الصحابة ، وعرض عليهم موضوع الخلافة ، واشير فيما اشير عليه بابنه عبد الله فقال. لا ، لا يليها رجلان من ولد الخطاب حسب عمر ما حمل ، حسب عمر ما احتقب! لا أتحملها حيا وميتا ، ثم قال : إن رسول الله مات وهو راض عن هذه الستة « علي ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف » فأما سعد فلا يمنعني منه إلا عنفه وفضاضته ، وأما من عبد الرحمن فلأنه قارون هذه الأمة وأما من طلحة فتكبره ونخوته ، وأما من الزبير فحشه ، ولقد رأيته بالبقيع يقاتل على صاع من شعير ، ولا يصلح لهذا الأمر إلا رجل واسع الصدر وأما من عثمان فحبه لقومه وعصبيته لهم ، وأما من علي فحرصه على هذا الأمر ودعابة فيه. ثم قال : يصلي صهيب بالناس ثلاثة أيام ، وتخلوا الستة نفر في البيت ثلاثة أيام ليتفقوا على رجل منهم ، فان استقام أمر خمسة وأبى رجل فاقتلوه ، وإن استقر أمر ثلاثة وأبى ثلاثة فكونوا مع الثلاثة الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف.
(٤) أسف الطائر : إذا دنا من الأرض في طيرانه.
(٥) صغا : مال بسمعه إليه. والضغن : الحقد. والهن : على وزن أخ كناية عن شيء قبيح الذي مال لحقده هو : سعد بن أبي وقاص. والذي مال لصهره عبد الرحمن بن عوف حيث مال إلى عثمان لمصاهرة بينهما.
روى الشيخ المفيد في الإرشاد عن جيش الكناني قال : لما صفق عبد الرحمن على يد عثمان بالبيعة في يوم الدار قال له أمير المؤمنين عليهالسلام : حركك الصهر وبعثك على ما صنعت ، والله ما أملت منه الا ما أمل صاحبك من صاحبه ، دق الله بينكما عطر منشم ـ وعطر منشم هو عطر صعب الدق والمراد به هنا الموت ـ. وهكذا كان فقد بلغ الحال في الخلاف بينهما أن أعلن عثمان تحريم مجالسة عبد الرحمن ، ووجوب نبذه ، وأبرأ الذمة ممن يكلمه أو يعاطيه معاطاة أي مواطن يتمتع بحقوقه الاجتماعية.
(٦) النفج : النفخ. والنثيل : الروث. والمعتلف : موضع الاعتلاف.
(٧) الخضم : الأكل بجميع الفم وقيل : المضغ بأقصى الأضراس.
قال ابن أبي الحديد ـ في شرحه على النهج ج ١ ص ٦٦ ـ:
وصحت فيه فراسة عمر بن الخطاب ، اذ قد أوطأ بني أمية رقاب الناس ، وأولاهم الولايات واقطعهم القطائع ، وافتتحت ارمينيا في أيامه ، فاخذ الخمس كله فوهبه لمروان إلى أن قال : وطلب منه عبد الله بن خالد بن أسيد صلة فأعطاه اربعمائة ألف درهم واعاد الحكم بن أبي العاص بعد ان سيره يسور الله (صلىاللهعليهوآله) ثم لم يرده أبو بكر ولا عمر ، وأعطاه مائة ألف درهم وتصدق رسول الله صلىاللهعليهوآله بموضع سوق بالمدينة يعرف « بنهروز » على المسلمين ، فاقطعه عثمان الحارث بن