مؤمن حتى يلقى ربه (١) فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى (٢) ، فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا (٣) أرى تراثي نهبا (٤) حتى إذا مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى عمر من بعده فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته (٥) لشد ما تشطرا ضرعيها (٦) ثم تمثل بقول الأعشى (٧)
شتان ما يومي على كورها |
|
ويوم حيان أخي جابر |
فصيرها في ناحية خشناء يجفو مسها ويغلظ كلمها (٨) ويكثر العثار فيها والاعتذار منها (٩) ،
__________________
ـ قطعة من الغيم. والجذاء : المقطوعة.
أي جعلت أدير الفكر واجيله في امر الخلافة ، واردده في طرفي نقيض : أما ان أشهر السيف وأصول على الغاصبين للخلافة ، والمعتدين على حقي ، او اترك واصبر ، وفي كلا الحالين خطر ، فاما القيام والثورة فبيد مقطوعة من غير ناصر ولا معين ، واما الثاني فلما يؤول إليه الحال : من اختلاط الأمور ، وعدم انتظام الحياة ، والتمييز بين الحق والباطل ، فكما ان الظلمة والعمى لا يهتدي معهما للتمييز بين الأشياء ، فكذلك اضطراب الهيئة الاجتماعية ، وتشابك المشاكل وازدحامها لا يهتدي معه لوجه الحق.
(١) الهرم : شدة كبر السن والكدح : سعى المجهود.
وتلك الشدة ، وذلك الاضطراب ، وهاتيك الأحوال المظلمة وطول مدتها ادت الى أن : يهرم فيها الكبير ، ويشيب الصغير ، ويتعب المؤمن في تمييز الحقائق وتمحيصها وما يبذله من جهد في سبيل الدفاع عن الحق حتى يلقى ربه.
(٢) هاتا : هذه واحجى : اقرب للحجى وهو العقل
فرأيت الصبر على هذه الحال وترك المقاومة اقرب للعقل ، والصق بنظام الإسلام واحفظ لبيضته سيما وهو بعد غض لم ترسخ له قدم في نفوس اتباعه ، والثورة في هذه الحال ربما تؤدي الى خلاف الغرض ، وتعكس النتيجة ، وستكون سببا للردة ، والرجوع عن الدين ، فترك المقاومة احجى واضمن لسلامة الإسلام ، وتحمل الشر الحادث من جراء ذلك اهون.
(٣) القذى : الرمد. والشجا : ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه.
أي صبرت ولكن على مضض كما يصبر الأرمد وهو يحس بوجع العين ، وكما يصبر من غص بشيء فهو يكابد الخنق.
(٤) يريد بتراثه : الخلافة.
(٥) ادلى بها : القى بها إليه. والاقالة : فك العهد والاستقالة : طلب ذلك.
أشار بقوله (عليهالسلام) : « يستقيلها » الى قول أبي بكر : « اقيلوني لست بخيركم »
(٦) شد الأمر : صعب وعظم. وتشطرا : اقتسما والضرع للحيوانات ـ مثل الثدي للمرأة.
(٧) هو اعشى قيس واسمه ميمون بن جندل من بني قيس من قصيدة أولها :
علقم ما أنت الى عامر |
|
الناقص الأوتار والواتر |
(٨) الكلم : الجرح
كنى عن طباع عمر بن الخطاب « بالناحية الخشناء » لأنه كان يوصف بالجفاوة وسرعة الغضب ، وغلظ الكلام ، حتى روى انه امر أن يؤتى بامرأة لحال اقتضت ذلك ـ وكانت حاملا ـ فلما دخلت عليه اجهزت جنينا لما شاهدته من غلظ طبيعة أبي حفص وظهور القوة الغضبية على قسمات وجهه وشدته في الكلام ، وذلك ما اراده أمير المؤمنين من قوله : « في ناحية خشناء » ثم انه (عليهالسلام) وصف تلك الطبيعة بوصفين :
أحدهما : غلظ المواجهة بالكلام وقد قيل : جرح اللسان أشد من وخز السنان.
وثانيهما : جفاوة المس المانعة من ميل الطباع إليه.
(٩) عثر : إذا أصابت رجله حجرا ونحوه.
فيه إشارة إلى ما كان عليه عمر بن الخطاب من التسرع في إصدار الأحكام غير الصائبة كأمره برجم المرأة الحامل وطلاق الحائض ، وغيرها من الأمور التي كانت تدعوه للاعتذار بعد أن يتبين له الخطأ بارشاد أمير المؤمنين (عليهالسلام) ، وقد تكرر قوله : « لو لا علي لهلك عمر » و « لا كنت لمعضلة ليس لها أبو الحسن » و « لا عشت لمعضلة لا تكون لها يا أبا الحسن ».