قال علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله أتاه مكذب بالبعث بعد الموت وهو أبي بن خلف الجمحي معه عظم نخر ففركه ثم قال يا محمد ( مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) (١) فأنطق محمدا بمحكم آياته وبهته ببرهان نبوته فقال : ( يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ) (٢) فانصرف مبهوتا.
قال له اليهودي فهذا إبراهيم جذ أصنام (٣) قومه غضبا لله عز وجل؟
قال علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله قد نكس عن الكعبة ثلاثمائة وستين صنما ونفاها عن جزيرة العرب وأذل من عبدها بالسيف.
قال له اليهودي فإن إبراهيم قد أضجع ولده ( وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) (٤)؟
فقال علي عليهالسلام لقد كان كذلك ولقد أعطي إبراهيم بعد الاضطجاع الفداء ومحمد أصيب بأفجع منه فجيعة إنه وقف على عمه حمزة أسد الله وأسد رسوله وناصر دينه وقد فرق بين روحه وجسده فلم يبن عليه حرقة ولم يفض عليه عبرة ولم ينظر إلى موضعه من قلبه وقلوب أهل بيته ليرضي الله عز وجل بصبره ـ ويستسلم لأمره في جميع الفعال وقال صلىاللهعليهوآله لو لا أن تحزن صفية لتركته حتى يحشر من بطون السباع وحواصل الطير ولو لا أن يكون سنة بعدي لفعلت ذلك.
قال له اليهودي فإن إبراهيم عليهالسلام قد أسلمه قومه إلى الحريق فصبر فجعل الله عز وجل عليه ( بَرْداً وَسَلاماً ) (٥) فهل فعل بمحمد شيئا من ذلك؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله لما نزل بخيبر سمته الخيبرية فصير الله السم في جوفه بردا وسلاما إلى منتهى أجله ـ فالسم يحرق إذا استقر في الجوف كما أن النار تحرق فهذا من قدرته لا تنكره.
قال له اليهودي فإن هذا يعقوب عليهالسلام أعظم في الخير نصيبا إذ جعل الأسباط من سلالة صلبه ومريم بنت عمران من بناته؟
قال علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله أعظم في الخير نصيبا ـ إذ جعل فاطمة سيدة نساء العالمين من بناته والحسن والحسين من حفدته.
قال له اليهودي فإن يعقوب عليهالسلام قد صبر على فراق ولده حتى كاد يحرض (٦) من الحزن.
__________________
(١) يس ـ ٧٨.
(٢) يس ـ ٧٩.
(٣) جذ أصنامهم استأصلها إشارة إلى قوله تعالى : ( فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً ) أي فتاتا مستأصلين.
(٤) تله : قال تعالى : ( وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ) أي صرعه ، وهو كقولهم كبه لوجهه.
(٥) قال تعالى : ( قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ )
(٦) يحرض : يهلك.