أصابعه حتى تورمت قدماه واصفر وجهه يقوم الليل أجمع حتى عوتب في ذلك فقال الله عز وجل : ( طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ) (١) بل لتسعد به ولقد كان يبكي حتى يغشى عليه ـ فقيل له يا رسول الله أليس الله غفر لك ( ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ )؟ قال بلى أفلا أكون عبدا شكورا.
ولئن سارت الجبال وسبحت معه لقد عمل بمحمد صلىاللهعليهوآله ما هو أفضل من هذا إذ كنا معه على جبل حراء إذ تحرك الجبل فقال له قر فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق شهيد فقر الجبل مطيعا لأمره ومنتهيا إلى طاعته ولقد مررنا معه بجبل وإذا الدموع تخرج من بعضه فقال له النبي صلىاللهعليهوآله ما يبكيك يا جبل فقال يا رسول الله كان المسيح مر بي وهو يخوف الناس من نار ( وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ ) ـ وأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة قال له لا تخف تلك الحجارة الكبريت فقر الجبل وسكن وهدأ وأجاب لقوله (ص).
قال له اليهودي فإن هذا سليمان أعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده؟
فقال علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله أعطي ما هو أفضل من هذا إنه هبط إليه ملك لم يهبط إلى الأرض قبله وهو ميكائيل فقال له يا محمد عش ملكا منعما وهذه مفاتيح خزائن الأرض معك ـ ويسير معك جبالها ذهبا وفضة ولا ينقص لك مما ادخر لك في الآخرة شيء فأومى إلى جبرئيل وكان خليله من الملائكة فأشار عليه أن تواضع فقال له بل أعيش نبيا عبدا آكل يوما ولا آكل يومين وألحق بإخواني من الأنبياء فزاده الله تبارك وتعالى الكوثر وأعطاه الشفاعة وذلك أعظم من ملك الدنيا من أولها إلى آخرها سبعين مرة ووعده المقام المحمود فإذا كان يوم القيامة أقعده الله عز وجل على العرش فهذا أفضل مما أعطي سليمان.
قال له اليهودي فإن هذا سليمان قد سخرت له الرياح فسارت به في بلاده ( غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ )؟
قال له علي عليهالسلام لقد كان كذلك ومحمد صلىاللهعليهوآله أعطي ما هو أفضل من هذا إنه سري به ( مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) مسيرة شهر وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام في أقل من ثلث ليلة حتى انتهى إلى ساق العرش فدَنا بالعلم ( فَتَدَلَّى ) من الجنة رفرف أخضر وغشي النور بصره فرأى عظمة ربه عز وجل بفؤاده ولم يرها بعينه ( فَكانَ ) كقاب ( قَوْسَيْنِ ) بينه وبينها ( أَوْ أَدْنى ـ ) ( فَأَوْحى ) الله ( إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى ) وكان فيما أوحى إليه الآية التي في سورة البقرة قوله : ( لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٢).
وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم عليهالسلام إلى أن بعث الله تبارك وتعالى محمدا وعرضت على الأمم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها وقبلها رسول الله وعرضها على أمته فقبلوها فلما رأى
__________________
(١) طه ـ ١.
(٢) البقرة ـ ٢٨٤.