فخلق ما شاء كما شاء وأجرى فعل بعض الأشياء على أيدي من اصطفى من أمنائه وكان فعلهم فعله وأمرهم أمره كما قال : ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ ) ـ وجعل السماء والأرض وعاء لمن يشاء من خلقه ليميز ( الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) مع سابق علمه بالفريقين من أهلها وليجعل ذلك مثالا لأوليائه وأمنائه وعرف الخليقة فضل منزلة أوليائه فرض عليهم من طاعتهم مثل الذي فرضه منه لنفسه وألزمهم الحجة بأن خاطبهم خطابا يدل على انفراده وتوحده وبأن له أولياء تجري أفعالهم وأحكامهم مجرى فعله فهم العباد المكرمون ( لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ) هو الذي (١) ( أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ) وعرف الخلق اقتدارهم على علم الغيب بقوله ( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ) وهم النعيم الذي يسأل العباد عنه لأن الله تبارك وتعالى أنعم بهم على من اتبعهم من أوليائهم.
قال السائل من هؤلاء الحجج؟
قال هم رسول الله ومن حل محله من أصفياء الله الذين قرنهم الله بنفسه ورسوله وفرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه وهم ولاة الأمر الذين قال الله فيهم : ( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) وقال فيهم ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ).
قال السائل ما ذاك الأمر؟
قال علي عليهالسلام الذي به تنزل الملائكة في الليلة التي يفرق فيها ( كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) من خلق ورزق وأجل وعمل وعمر وحياة وموت وعلم غيب السماوات والأرض والمعجزات التي لا تنبغي إلا لله وأصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه وهم وجه الله الذي قال : ( فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ ) ـ هم بقية الله يعني المهدي يأتي عند انقضاء هذه النظرة فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ومن آياته الغيبة والاكتتام عند عموم الطغيان وحلول الانتقام ولو كان هذا الأمر الذي عرفتك نبأه للنبي دون غيره لكان الخطاب يدل على فعل ماض غير دائم ولا مستقبل ولقال نزلت الملائكة وفرق كل أمر حكيم ولم يقل ( تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ ) و ( يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) وقد زاد جل ذكره في التبيان وإثبات الحجة بقوله في أصفيائه وأوليائه عليهمالسلام ( أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ ) تعريفا للخليقة قربهم ألا ترى أنك تقول فلان إلى جنب فلان إذا أردت أن تصف قربه منه.
وإنما جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه وحججه في أرضه لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدلون من إسقاط أسماء حججه منه وتلبيسهم ذلك على الأمة ليعينوهم على باطلهم فأثبت به الرموز وأعمى قلوبهم وأبصارهم لما عليهم في تركها وترك غيرها من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه وجعل أهل الكتاب المقيمين به والعالمين بظاهره وباطنه من شجرة
__________________
(١) في بعض النسخ : « وهم الذين ».