وأما ظهورك على تناكر قوله : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ ) وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء ولا كل النساء أيتام فهو مما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن ـ وهذا وما أشبهه مما ظهرت حوادث المنافقين فيه لأهل النظر والتأمل ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة للإسلام مساغا إلى القدح في القرآن ولو شرحت لك كل ما أسقط وحرف وبدل مما يجري هذا المجرى لطال ـ وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء (١) :
وأما قوله ( وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) فهو تبارك اسمه أجل وأعظم من أن يظلم ولكن قرن أمناءه على خلقه بنفسه وعرف الخليقة جلالة قدرهم عنده وأن ظلمهم ظلمه بقوله ( وَما ظَلَمُونا ) ببغضهم أولياءنا ومعونة أعدائهم عليهم ( وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) إذ حرموها الجنة وأوجبوا عليها خلود النار.
وأما قوله ( إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ ) فإن الله جل ذكره نزل عزائم الشرائع وآيات الفرائض في أوقات مختلفة كما خلق السماوات والأرض في ستة أيام ولو شاء لخلقها في أقل من لمح البصر ولكنه جعل الأناة والمداراة أمثالا لأمنائه ـ وإيجابا للحجة على خلقه فكان أول ما قيدهم به الإقرار بالوحدانية والربوبية والشهادة بأن لا إله إلا الله فلما أقروا بذلك تلاه بالإقرار لنبيه صلىاللهعليهوآله بالنبوة والشهادة له بالرسالة فلما انقادوا لذلك فرض عليهم الصلاة ثم الصوم ثم الحج ثم الجهاد ثم الزكاة ثم الصدقات
__________________
(١) في ج ١ ص ١٥ من تفسير مجمع البيان للطبرسي قال :
ومن ذلك الكلام في زيادة القرآن ونقصانه ، فانه لا يليق بالتفسير ، فأما الزيادة فيه فمجمع على بطلانها ، وأما النقصان منه ، فقد روى جماعة من أصحابنا ، وقوم من حشوية العامة : أن في القرآن تغييرا ونقصانا ، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى « قدس الله روحه » واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء ، في جواب المسائل الطرابلسيات ، وذكر في مواضع : أن العلم بصحة نقل القرآن : كالعلم بالبلدان ، والحوادث الكبار ، والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، وأشعار العرب المسطورة ، فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حد لم يبلغه فيما ذكرناه ، لأن القرآن معجزة النبوة ، ومأخذ العلوم الشرعية ، والأحكام الدينية ... إلى أن قال : وذكر أيضا رضياللهعنه : أن القرآن كان على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن ، واستدل على ذلك : بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان ، حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأنه :
كان يعرض على النبي صلىاللهعليهوآله ويتلى عليه ، وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلىاللهعليهوآله عدة ختمات ، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا ، مرتبا ، غير مبتور ، ولا مبثوث ، وذكر أن من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم ، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها ، لا يرجع لمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته.
وقال آية الله الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء في كتاب « أصل الشيعة واصولها »
وإن الكتاب الموجود في أيدي المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدي ، ولتعليم الأحكام ، وتمييز الحلال من الحرام ، وانه لا نقص فيه ، ولا تحريف ، ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم ، ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه ، أو تحريف ، فهو مخطئ ، يرده نص الكتاب العظيم ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ ) والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم ، الظاهرة في نقصه أو تحريفه ، ضعيفة شاذة ، وأخبار آحاد ، لا تفيد علما ولا عملا ، فأما أن تأول بنحو من الاعتبار أو يضرب بها عرض الجدار.