على أهلها وقال إن الله جل جلاله أوحى إلي أن لا يؤدي عني إلا رجل مني دلالة منه على خيانة من علم أن الأمة اختارته على وصيه.
ثم شفع ذلك بضم الرجل الذي ارتجع سورة براءة منه ومن يوازره في تقدم المحل عند الأمة إلى علم النفاق عمرو بن العاص في غزاة ذات السلاسل ولاهما عمرو حرس عسكره.
وختم أمرهما بأن ضمهما عند وفاته إلى مولاه أسامة بن زيد وأمرهما بطاعته والتصريف بين أمره ونهيه وكان آخر ما عهد به في أمر أمته قوله أنفذوا جيش أسامة يكرر ذلك على أسماعهم إيجابا للحجة عليهم في إيثار المنافقين على الصادقين.
ولو عددت كل ما كان من أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله في إظهار معايب المستولين على تراثه لطال وإن السابق منهم إلى تقلد ما ليس له بأهل قام هاتفا على المنبر لعجزه عن القيام بأمر الأمة ومستقيلا (١) مما قلدوه لقصور معرفته على تأويل ما كان يسأل عنه وجهله بما يأتي ويذر.
ثم أقام على ظلمه ولم يرض باحتقاب عظيم الوزر في ذلك حتى عقد الأمر من بعده لغيره فأتى التالي بتسفيه رأيه والقدح والطعن على أحكامه ورفع السيف عمن كان صاحبه وضعه عليه ورد النساء اللاتي كان سباهن إلى أزواجهن وبعضهن حوامل (٢) وقوله قد نهيته عن قتال أهل القبلة فقال لي إنك لحدب على أهل الكفر وكان هو في ظلمه لهم أولى باسم الكفر منهم.
ولم يزل يخطئه ويظهر الإزراء عليه ويقول على المنبر كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه وكان يقول قبل ذلك قولا ظاهرا ليته حسنة من حسناته ويود أنه كان شعرة في صدره وغير ذلك من القول المتناقض المؤكد لحجج الدافعين لدين الإسلام.
وأتى من أمر الشورى وتأكيده بها عقد الظلم والإلحاد والغي والفساد حتى تقرر على إرادته ما لم يخف على ذي لب موضع ضرره.
ولم تطق الأمة الصبر على ما أظهره الثالث من سوء الفعل فعاجلته بالقتل فاتسع بما جنوه من ذلك لمن وافقهم على ظلمهم وكفرهم ونفاقهم محاولة مثل ما أتوه من الاستيلاء على أمر الأمة.
كل ذلك لتتم النظرة التي أوحاها الله تعالى لعدوه إبليس إلى أن ( يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ ) ويقترب الوعد الحق الذي بينه في كتابه بقوله : ( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ) (٣) وذلك إذا لم يبق من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه وغاب صاحب الأمر بإيضاح الغدر له في ذلك لاشتمال الفتنة على القلوب حتى يكون أقرب الناس إليه أشدهم عداوة له.
__________________
(١) إشارة إلى قول أبي بكر « أقيلوني فلست بخيركم وعلي فيكم ».
(٢) راجع قصة مالك بن نويرة في ترجمة خالد بن الوليد فيما مضى من هذا الكتاب.
(٣) النور ـ ٥٥.