ويفعل كما يشاء ـ وهو حكيم في أفعاله محمود في أعماله وذلك قوله تعالى : ( وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) قال الله تعالى ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ) يا محمد ( نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) (١) فأحوجنا بعضا إلى بعض أحوج هذا إلى مال ذلك وأحوج ذلك إلى سلعة هذا وإلى خدمته فترى أجل الملوك وأغنى الأغنياء محتاجا إلى أفقر الفقراء في ضرب من الضروب ـ إما سلعة معه ليست معه وإما خدمة يصلح لها لا يتهيأ لذلك الملك أن يستغني إلا به وإما باب من العلوم والحكم هو فقير إلى أن يستفيدها من هذا الفقير فهذا الفقير يحتاج إلى مال ذلك الملك الغني وذلك الملك يحتاج إلى علم هذا الفقير أو رأيه أو معرفته.
ثم ليس للملك أن يقول هلا اجتمع إلى مالي علم هذا الفقير ولا للفقير أن يقول هلا اجتمع على رأيي وعلمي وما أتصرف فيه من فنون الحكمة مال هذا الملك الغني ثم قال الله ( وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا ) ثم قال يا محمد قل لهم : ( وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) (٢) أي ما يجمعه هؤلاء من أموال الدنيا.
ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآله وأما قولك : ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) إلى آخر ما قلته فإنك قد اقترحت على محمد رسول الله ـ أشياء منها ما لو جاءك به لم يكن برهانا لنبوته و/ طرسول الله صلىاللهعليهوآله يرتفع عن أن يغتنم جهل الجاهلين ويحتج عليهم بما لا حجة فيه ومنها ما لو جاءك به كان معه هلاكك وإنما يؤتى بالحجج والبراهين ليلزم عباد الله الإيمان بها لا ليهلكوا بها فإنما اقترحت هلاكك ورب العالمين أرحم بعباده وأعلم بمصالحهم من أن يهلكهم كما تقترحون ومنها المحال الذي لا يصح ولا يجوز كونه ورسول رب العالمين يعرفك ذلك ويقطع معاذيرك ويضيق عليك سبيل مخالفته ويلجئك بحجج الله إلى تصديقه حتى لا يكون لك عنه محيد ولا محيص ومنها ما قد اعترفت على نفسك أنك فيه معاند متمرد لا تقبل حجة ولا تصغي إلى برهان ومن كان كذلك فدواؤه عذاب الله النازل من سمائه في جحيمه أو بسيوف أوليائه.
فأما قولك يا عبد الله ( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ) بمكة هذه ـ فإنها ذات أحجار وصخور وجبال تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون فإننا إلى ذلك محتاجون فإنك سألت هذا وأنت جاهل بدلائل الله.
يا عبد الله أرأيت لو فعلت هذا أكنت من أجل هذا نبيا؟ قال لا.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله أرأيت الطائف التي لك فيها بساتين أما كان هناك مواضع فاسدة صعبة أصلحتها وذللتها وكسحتها وأجريت فيها عيونا استنبطتها؟ قال بلى.
قال صلىاللهعليهوآله وهل لك في هذا نظراء؟ قال بلى.
قال فصرت أنت وهم بذلك أنبياء؟ قال لا.
قال صلىاللهعليهوآله فكذلك لا يصير هذا حجة لمحمد لو فعله على نبوته فما هو إلا كقولك لن نؤمن لك حتى تقوم
__________________
(١ و ٢) الزخرف : ٣٢.