عليهم أن لا يأكلوا شيئا من اللحمان لأن الذرات عندهم كلها من ولد آدم حولوا من صورهم فلا يجوز أكل لحوم القربات.
قال ومن زعم أن الله لم يزل ومعه طينة موذية فلم يستطع التفصي منها (١) إلا بامتزاجه بها ودخوله فيها فمن تلك الطينة خلق الأشياء!!
قال سبحان الله تعالى ما أعجز إلها يوصف بالقدرة لا يستطيع التفصي من الطينة إن كانت الطينة حية أزلية فكانا إلهين قديمين فامتزجا ودبرا العالم من أنفسهما فإن كان ذلك كذلك فمن أين جاء الموت والفناء وإن كانت الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الأزلي القديم والميت لا يجيء منه حي.
وهذه مقالة الديصانية أشد الزنادقة قولا وأمهنهم مثلا ـ نظروا في كتب قد صنفتها أوائلهم وحبروها بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت ولا حجة توجب إثبات ما ادعوا كل ذلك خلافا على الله وعلى رسله بما جاءوا عن الله.
فأما من زعم أن الأبدان ظلمة والأرواح نور وأن النور لا يعمل الشر والظلمة لا تعمل الخير فلا يجب عليهم أن يلوموا أحدا على معصية ولا ركوب حرمة ولا إتيان فاحشة وإن ذلك عن الظلمة غير مستنكر لأن ذلك فعلها ولا له أن يدعو ربا ولا يتضرع إليه لأن النور الرب والرب لا يتضرع إلى نفسه ولا يستعبد بغيره ولا لأحد من أهل هذه المقالة أن يقول أحسنت يا محسن أو أسأت لأن الإساءة من فعل الظلمة وذلك فعلها والإحسان من النور ولا يقول النور لنفسه أحسنت يا محسن وليس هناك ثالث وكانت الظلمة على قياس قولهم أحكم فعلا وأتقن تدبيرا وأعز أركانا من النور لأن الأبدان محكمة فمن صور هذا الخلق صورة واحدة على نعوت مختلفة؟
وكل شيء يرى ظاهرا من الزهر والأشجار والثمار والطير والدواب يجب أن يكون إلها ثم حبست النور في حبسها والدولة لها وأما ما ادعوا بأن العاقبة سوف تكون للنور فدعوى وينبغي على قياس قولهم أن لا يكون للنور فعل لأنه أسير وليس له سلطان فلا فعل له ولا تدبير وإن كان له مع الظلمة تدبير فما هو بأسير بل هو مطلق عزيز فإن لم يكن كذلك وكان أسير الظلمة فإنه يظهر في هذا العالم إحسان وجامع فساد وشر فهذا يدل على أن الظلمة تحسن الخير وتفعله وكما تحسن الشر وتفعله فإن قالوا محال ذلك فلا نور يثبت ولا ظلمة وبطلت دعواهم ورجع الأمر إلى أن الله واحد وما سواه باطل فهذه مقالة ماني الزنديق وأصحابه.
وأما من قال النور والظلمة بينهما حكم فلا بد من أن يكون أكبر الثلاثة الحكم لأنه لا يحتاج إلى الحاكم إلا مغلوب أو جاهل أو مظلوم وهذه مقالة المانوية والحكاية عنهم تطول.
قال فما قصة ماني؟
قال متفحص أخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية فأخطأ الملتين ولم يصب مذهبا واحدا
__________________
(١) التفصي. التخلص وتفصى عن الشيء بان عنه.