قالوا عمر بن الخطاب.
ففرقت الناس ودخلت الحلقة فإذا أنا برجل يتكلم على الناس بشيء لم أحصله فقطعت عليه الكلام وقلت :
أيها الشيخ أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق بن أبي قحافة من قول الله تعالى ( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ) (١).
فقال وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه الآية في ستة مواضع :
الأول أن الله تعالى ذكر النبي صلىاللهعليهوآله وذكر أبا بكر فجعله ثانيه فقال ( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ).
والثاني أنه وضعهما بالاجتماع في مكان واحد لتأليفه بينهما فقال ( إِذْ هُما فِي الْغارِ ).
والثالث أنه أضافه إليه بذكر الصحبة ليجمعه بينهما بما يقتضي الرتبة فقال ( إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ ).
والرابع أنه أخبر عن شفقة النبي صلىاللهعليهوآله عليه ورفقه به لموضعه عنده فقال ( لا تَحْزَنْ ).
والخامس أنه أخبر أن الله معهما على حد سواء ناصرا لهما ودافعا عنهما فقال ( إِنَّ اللهَ مَعَنا ).
والسادس أنه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر لأن رسول الله صلىاللهعليهوآله لم تفارقه السكينة قط فقال ( فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ).
فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار لا يمكنك ولا لغيرك الطعن فيها.
فقلت له حبرت بكلامك في الاحتجاج لصاحبك عنه وإني بعون الله سأجعل جميع ما أتيت به ( كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ ).
أما قولك إن الله تعالى ذكر النبي صلىاللهعليهوآله وجعل أبا بكر ثانيه فهو إخبار عن العدد لعمري لقد كانا اثنين فما في ذلك من الفضل ونحن نعلم ضرورة أن مؤمنا ومؤمنا أو مؤمنا وكافرا اثنان فما أرى لك في ذكر العدد طائلا تعتمده.
وأما قولك إنه وصفهما بالاجتماع في المكان فإنه كالأول لأن المكان يجمع المؤمن والكافر كما يجمع العدد المؤمنين والكفار وأيضا فإن مسجد النبي صلىاللهعليهوآله أشرف من الغار وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار وفي ذلك قوله عز وجل ( فَما لِلَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ ) (٢) وأيضا فإن سفينة نوح قد جمعت النبي والشيطان والبهيمة والكلب والمكان لا يدل على
__________________
(١) التوبة : ٤١.
(٢) المعارج : ٣٧.