ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن أبي طالب عليهالسلام فما قدروا على مغالبة ربهم حملهم على ذلك حسدهم لرسول الله صلىاللهعليهوآله في علي عليهالسلام لما فخم من أمره وعظم من شأنه.
من ذلك أنه لما خرج النبي صلىاللهعليهوآله من المدينة وقد كان خلفه عليها وقال له جبرئيل أتاني وقال لي يا محمد إن العلي الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك يا محمد إما أن تخرج أنت ويقيم علي أو تقيم أنت ويخرج علي لا بد من ذلك ـ فإن عليا قد ندبته لإحدى اثنتين لا يعلم أحد كنه جلال من أطاعني فيهما وعظيم ثوابه غيري فلما خلفه أكثر المنافقون الطعن فيه فقالوا مله وسئمه وكره صحبته فتبعه علي صلىاللهعليهوآله حتى لحقه وقد وجد غما شديدا عما قالوا فيه.
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله ما أشخصك يا علي عن مركزك فقال بلغني عن الناس كذا وكذا فقال له صلىاللهعليهوآله أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي فانصرف علي إلى موضعه فدبروا عليه أن يقتلوه وتقدموا في أن يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعا ثم غطوها بخص رقاق ونثروا فوقها يسيرا من التراب بقدر ما غطوا به وجوه الخص وكان ذلك على طريق علي الذي لا بد له من سلوكه ليقع هو ودابته في الحفيرة التي قد عمقوها وكان ما حوالي المحفور أرض ذات حجارة ودبروا على أنه إذا وقع مع دابته في ذلك المكان كبسوه بالأحجار حتى يقتلوه.
فلما بلغ علي عليهالسلام قرب المكان لوى فرسه عنقه وأطاله الله فبلغت جحفلته (١) أذنيه وقال يا أمير المؤمنين قد حفر لك هاهنا ودبر عليك الحتف وأنت أعلم لا تمر فيه فقال له علي عليهالسلام جزاك الله من ناصح خيرا كما تدبر تدبيري وإن الله عز وجل لا يخليك من صنعه الجميل وسار حتى شارف المكان فوقف الفرس خوفا من المرور على المكان فقال علي عليهالسلام سر بإذن الله سالما سويا عجيبا شأنك بديعا أمرك فتبادرت الدابة فإن الله عز وجل قد متن الأرض (٢) وصلبها كأنها لم تكن محفورة وجعلها كسائر الأرض فلما جاوزها علي عليهالسلام لوى الفرس عنقه ووضع جحفلته على أذنه ثم قال ما أكرمك على رب العالمين أجازك على هذا المكان الخاوي (٣) ـ فقال أمير المؤمنين عليهالسلام جازاك الله بهذه السلامة عن نصيحتك التي نصحتني بها.
ثم قلب وجه الدابة إلى ما يلي كفلها والقوم معه بعضهم أمامه وبعضهم خلفه وقال اكتشفوا عن هذا المكان فكشفوا فإذا هو خاو لا يسير عليه أحد إلا وقع في الحفرة فأظهر القوم الفزع والتعجب مما رأوا منه فقال علي عليهالسلام للقوم أتدرون من عمل هذا؟ قالوا لا ندري.
قال عليهالسلام لكن فرسي هذا يدري يا أيها الفرس كيف هذا ومن دبر هذا فقال الفرس يا أمير المؤمنين إذا كان الله عز وجل يبرم ما يروم جهال القوم نقضه أو كان ينقض ما يروم جهال الخلق إبرامه فالله هو الغالب والخلق هم المغلوبون فعل هذا يا أمير المؤمنين فلان وفلان إلى أن ذكر العشرة بمواطأة من أربعة وعشرين هم
__________________
(١) الجحفلة لذي الحافر كالشفة للإنسان.
(٢) متن الأرض : صلب متنه وقواه.
(٣) الخاوي : الخالي ، القفر.